الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى هل يجوز لنا فى الشعر

صفحة 330 - الجزء 1

  مزائد خرقاء اليدين مسيفة ... يخبّ بها مستخلف غير آئن⁣(⁣١)

  وإنما الصواب مزاود، ومصاوب، ومناور؛ قال:

  يصاحب الشيطان من يصاحبه ... فهو أذى جمّة مصاوبه⁣(⁣٢)

  ومن ذلك قولهم فى غير الضرورة: ضبب البلد: كثر ضبابه. وألل السقاء: تغيّرت ريحه. ولححت عينه: التصقت، ومششت الدابّة⁣(⁣٣). وقالوا: إن الفكاهة مقودة إلى الأذى. وقرأ بعضهم⁣(⁣٤): {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ}⁣[البقرة: ١٠٣]، وقالوا: كثرة الشراب مبولة، وكثرة الأكل منومة، وهذا شيء مطيبة للنفس، وهذا طريق مهيع؛ إلى غير ذلك مما جاء فى السّعة ومع غير الضرورة. وإنما صوابه: لحّت عينه، وضبّ البلد، وألّ السقاء، ومشّت الدابّة، ومقادة إلى الأذى، ومثابة، ومبالة، ومنامة، ومطابة، ومهاع.

  فإذا جاز هذا للعرب عن غير حصر ولا ضرورة قول كان استعمال الضرورة فى الشعر للمولّدين أسهل، وهم فيه أعذر.

  فأمّا ما يأتى عن العرب لحنا فلا نعذر فى مثله مولدا.

  فمن ذلك بيت الكتاب:

  وما مثله فى الناس إلا مملّكا ... أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه⁣(⁣٥)


(١) قبله:

كأن العيون المرسلات عشية ... شآبيب دمع العبرة المتحاتن

المتحاتن: المتتابع، وشآبيب الدمع: دفعاته، واحدها شؤبوب. (نجار). مزائد: جمع مزادة وهى قربة يوضع فيها الماء. قال ابن سيده: كذا وجدناه بخط ابن حمزة مزائد، مهموز. وأساف الخرز يسيفه إسافة: خرمه. وانظر اللسان (سوف). الآئن: من الأون وهو الراحة. وانظر اللسان (أون) ويخبّ بضم الياء من الإخباب وهو الإسراع فى المشى.

(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أذى) وتاج العروس (أذى). الأذىّ: الشديد التأذى، وقيل: هو المؤذى. وفى رواية اللسان (أذى): «حمة»، بالحاء المهملة.

(٣) المشش: ورم يأخذ فى مقدم عظم الوظيف أو باطن الساق فى إنسيّه. وانظر اللسان (مشش).

(٤) وفى البحر المحيط (١/ ٥٠٤): وقرأ قتادة، وأبو السمال، وعبد الله بن بريدة: بسكون الثاء كمشورة. الآية ١٠٣ / البقرة.

(٥) البيت للفرزدق فى لسان العرب (ملك) ومعاهد التنصيص ١/ ٤٣.