باب فى التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين
  فى الفساد والاستحالة بمنزلة فساد تحقير مثال الكثرة الذى جاء فساده من قبل تدافع حاليه. وذلك أنّ وجود ياء التحقير يقتضى كونه دليلا على القلّة، وكونه مثالا موضوعا للكثرة دليل على الكثرة؛ وهذا يجب منه أن يكون الشئ الواحد فى الوقت الواحد قليلا كثيرا. وهذا ما لا يجوز لأحد اعتقاده.
  وليس كذلك تقديرك الباء فى نحو: مررت بزيد تارة كبعض الاسم، وأخرى كبعض الفعل، من قبل أن هذه إنما هى صناعة لفظيّة يسوغ معها تنقّل الحال وتغيّرها، فأمّا المعانى فأمر ضيّق، ومذهب مستصعب؛ ألا تراك إذا سئلت عن زيد من قولنا: قام زيد سمّيته فاعلا، وإن سئلت عن زيد من قولنا: زيد قام سمّيته مبتدأ لا فاعلا، وإن كان فاعلا فى المعنى. وذلك أنك سلكت طريق صنعة اللفظ فاختلفت السّمة، فأمّا المعنى فواحد. فقد ترى إلى سعة طريق اللفظ وضيق طريق المعنى.
  فإن قلت: فأنت إذا قلت فى (لا أبا لك) إن الألف تؤذن بالإضافة والتعريف، واللام تؤذن بالفصل والتنكير، فقد جمعت على الشئ الواحد فى الوقت الواحد معنيين ضدّين، وهما التعريف والتنكير، وهذان - كما ترى - متدافعان.
  قيل: الفرق بين الموضعين واضح، وذلك أن قولهم: (لا أبا لك) كلام جرى مجرى المثل، وذلك أنك إذا قلت هذا فإنك لا تنفى فى الحقيقة أباه، وإنما تخرجه مخرج الدعاء؛ أى أنت عندى ممن يستحقّ أن يدعى عليه بفقد أبيه. كذا فسّره أبو علىّ، وكذلك هو لمتأمّله؛ ألا ترى أنه قد أنشد توكيدا لما رآه من هذا المعنى فيه قوله:
  * وتترك أخرى فردة لا أخا لها*
  ولم يقل: لا أخت لها، ولكن لمّا جرى هذا الكلام على أفواههم (لا أبا لك) (ولا أخا لك) قيل مع المؤنّث على حدّ ما يكون عليه مع المذكّر، فجرى هذا نحوا من قولهم لكل أحد من ذكر وأنثى واثنين وجماعة (الصيف ضيعت اللبن) على التأنيث؛ لأنه كذا جرى أوّله، وإذا كان الأمر كذلك علم أن قولهم (لا أبا لك) إنما فيه تعادى ظاهره، (واجتماع) صورتى الفصل والوصل، والتعريف والتنكير، لفظا لا معنى. وإذا آل الأمر إلى ذلك عدنا إلى مثل ما كنا عليه؛ من تنافر قضيّتى