باب فى الفصيح يجتمع فى كلامه لغتان فصاعدا
  فقال «نحوهو» بالواو، وقال «عيونه» ساكن الهاء.
  وأمّا قول الشمّاخ:
  له زجل كأنه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير(١)
  فليس هذا لغتين؛ لأنا لا نعلم رواية حذف هذه الواو وإبقاء الضمة قبلها لغة، فينبغى أن يكون ذلك ضرورة (وصنعة)، لا مذهبا ولغة. وكذلك يجب عندى وينبغى ألا يكون لغة؛ لضعفه فى القياس. ووجه ضعفه أنه ليس على مذهب الوصل، ولا مذهب الوقف. أما الوصل فيوجب إثبات واوه كلقيتهو أمس. وأمّا الوقف فيوجب الإسكان كلقيته وكلمته؛ فيجب أن يكون ذلك ضرورة للوزن، لا لغة.
  وأنشدنى الشجرىّ لنفسه:
  وإنا ليرعى فى المخوف سوامنا ... كأنه لم يشعر به من يحاربه
  فاختلس ما بعد هاء «كأنه»، ومطل ما بعد هاء «بهى)، واختلاس ذلك ضرورة (وصنعة) على ما تقدّم به القول.
  ومن ذلك قولهم: بغداد، وبغدان. وقالوا أيضا: مغدان؛ وطبرزل، وطبرزن.
  وقالوا للحيّة: أيم، وأين. وأعصر، ويعصر: أبو باهلة. والطنفسة، والطنفسة.
  (وما اجتمعت) فيه لغتان أو ثلاث أكثر من أن يحاط به. فإذا ورد شيء من ذلك - كأن يجتمع فى لغة رجل واحد لغتان فصيحتان - فينبغى أن تتأمّل حال كلامه؛ فإن كانت اللفظتان فى كلامه متساويتين فى الاستعمال، كثرتهما واحدة، فإنّ أخلق الأمر به أن تكون قبيلته تواضعت فى ذلك المعنى على (ذينك اللفظين)؛ لأن
(١) البيت للشمّاخ فى ديوانه ص ١٥٥، والدرر ١/ ١٨١، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٣٧، والكتاب ١/ ٣٠، ولسان العرب (ها) وبلا نسبة فى الإنصاف ٢/ ٥٦١، والأشباه والنظائر ٢/ ٣٧٩)، وخزانة الأدب ٢/ ٣٨٨، ٥/ ٢٧٠، ٢٧١، ولسان العرب (زجل) والمقتضب ١/ ٢٦٧، وهمع الهوامع ١/ ٥٩. يصف حمارا وحشيا. الوسيقة: الأتان. يقول إذا طلب وسيقته وهى أنثاه، صوت بها فى تطريب وترجيع، كالحادى يتغنى بالإبل، أو كأن صوته صوت مزمار. وانظر ديوان الشماخ ٣٦، والكتاب ١/ ٣٠.