باب فى تركب اللغات
  فإن قلت: فما بالهم كسروا عين ينعم، وليس فى ماضيه إلا نعم، ونعم، وكل واحد من فعل وفعل ليس له حظّ من باب يفعل.
  قيل: هذا طريقه غير طريق ما قبله. فإما أن يكون ينعم - بكسر العين - جاء على ماض وزنه فعل، غير أنهم لم ينطقوا به استغناء عنه بنعم ونعم، كما استغنوا بترك عن وذر، وودع، وكما استغنوا بملامح عن تكسير لمحة؛ وغير ذلك. أو يكون فعل فى هذا داخلا على فعل؛ فكما أن فعل بابه يفعل، كذلك شبّهوا بعض فعل به فكسروا عين مضارعه، كما ضمّوا فى ظرف عين ماضيه ومضارعه. فنعم ينعم فى هذا محمول على كرم يكرم، كما دخل يفعل فيما ماضيه فعل؛ نحو قتل يقتل على باب يشرف ويظرف. وكأن باب يفعل إنما هو لما ماضيه فعل، ثم دخلت يفعل فى فعل على يفعل؛ لأن ضرب يضرب أقيس من قتل يقتل. ألا ترى أن ما ماضيه فعل إنما بابه فتح عين مضارعه؛ نحو ركب يركب، وشرب يشرب. فكما فتح المضارع لكسر الماضى، فكذلك أيضا ينبغى أن يكسر المضارع لفتح الماضى.
  وإنما دخلت يفعل فى باب فعل على يفعل من حيث كانت كل واحدة من الضمّة والكسرة مخالفة للفتحة، ولمّا آثروا خلاف حركة عين المضارع لحركة عين الماضى ووجدوا الضمة مخالفة للفتحة خلاف الكسرة لها عدلوا فى بعض ذاك إليها، فقالوا: قتل يقتل، ودخل يدخل، وخرج يخرج.
  وأنا أرى أنّ يفعل فيما ماضيه فعل فى غير المتعدّى أقيس من يفعل؛ فضرب يضرب إذا أقيس من قتل يقتل، وقعد يقعد أقيس من جلس يجلس. وذلك أن يفعل إنما هى فى الأصل لما لا يتعدّى؛ نحو كرم يكرم، على ما شرحنا من حالها. فإذا كان كذلك كان أن يكون فى غير المتعدّى فيما ماضيه فعل أولى وأقيس.
  فإن قيل: فكيف ذلك ونحن نعلم أن يفعل فى المضاعف المتعدّى أكثر من يفعل؛ نحو شدّه يشدّه، ومدّه يمدّه، وقدّه يقدّه، وجزّه يجزّه، وعزّه يعزّه، وأزّه يؤزّه، وعمّه يعمّه، وأمّه يؤمّه، وضمّه يضمّه، وحلّه يحلّه، وسلّه يسلّه، وتلّه يتلّه. ويفعل فى المضاعف قليل محفوظ، نحو هرّه يهرّه، وعلّه يعلّه، وأحرف قليلة. وجميعها يجوز فيه «أفعله» نحو علّه يعلّه، وهرّه يهرّه؛ إلا حبّه يحبّه فإنه