باب فى تركب اللغات
  عن أبى حاتم قال: قرأ علىّ أعرابىّ بالحرم: «طيبى لهم وحسن مآب» [الرعد: ٢٩]، فقلت: طوبى، فقال طيبى، قلت طوبى، قال طيبى. فلمّا طال علىّ قلت: طوطو، فقال طى طى. أفلا ترى إلى استعصام هذا الأعرابىّ بلغته وتركه متابعة أبى حاتم.
  والخبر المرفوع فى ذلك؛ وهو سؤال أبى عمرو أبا خيرة عن قولهم: استأصل الله عرقاتهم(١)؛ فنصب أبو خيرة التاء من «عرقاتهم»، فقال له أبو عمرو: هيهات أبا خيرة، لان جلدك. وذلك أن أبا عمرو استضعف النصب بعد ما كان سمعها منه بالجرّ، قال: ثم رواها فيما بعد أبو عمرو بالنصب والجرّ، فإمّا أن يكون سمع النصب من غير أبى خيرة ممن يرضى عربيّته، وإما أن يكون قوى فى نفسه ما سمعه من أبى خيرة من نصبها. ويجوز أيضا أن يكون قد أقام الضعف فى نفسه فحكى النصب على اعتقاده ضعفه، وذلك أن الأعرابىّ قد ينطق بالكلمة يعتقد أن غيرها أقوى فى نفسه منها؛ ألا ترى أن أبا العباس حكى عن عمارة أنه كان يقرأ {وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ}[يس: ٤٠] بالنصب؛ قال أبو العباس: فقلت له ما أردت؟ فقال: سابق النهار، فقلت له فهلا قلته؟ فقال: لو قلته لكان أوزن؛ أى أقوى.
  وقد ذكرنا هذه الحكاية للحاجة إليها فى موضع آخر؛ ولا تستنكر إعادة الحكاية، فربما كان فى الواحدة عدّة أماكن مختلفة يحتاج فيها إليها.
  فأمّا قولهم: عقرت فهى عاقر؛ فليس «عاقر» عندنا بجار على الفعل جريان قائم وقاعد عليه، وإنما هو اسم بمعنى النسب بمنزلة امرأة طاهر، وحائض، وطالق.
  وكذلك قولهم: طلقت فهى طالق؛ فليس عاقر من عقرت بمنزلة حامض من حمض، ولا خاثر من خثر، ولا طاهر من طهر، ولا شاعر من شعر؛ لأن كل واحد من هذه هو اسم الفاعل، وهو جار على فعل (فاستغنى به عما يجرى على فعل، وهو) فعيل على ما قدّمناه.
  وسألت أبا على |، فقلت: قولهم حائض بالهمزة يحكم بأنه جار
(١) تقول العرب: استأصل الله عرقاتهم وعرقاتهم، أى شأفتهم، فعرقاتهم بالكسر، جمع عرق، كأنه عرق وعرقات، كعرس وعرسات. وقد يكون عرقاتهم بالفتح، جمع عرق وعرقة، ومنهم من أجراه مجرى سعلاة وانظر اللسان (عرق).