باب فى ترك الأخذ عن أهل المدر
  أصلين(١) وليس لنا أصل عينه ولامه همزتان ولا كلاهما أيضا عن وجوب.
  فالناطق بذلك بصورة من جرّ الفاعل أو رفع المضاف إليه، فى أنه لا أصل يسوّغه، ولا قياس يحتمله، ولا سماع ورد به. وما كانت هذه سبيله وجب اطّراحه والتوقّف عن لغة من أورده. وأنشدنى أيضا شعرا لنفسه يقول فيه: كأنّ فاى ... فقوى فى نفسى بذلك بعده عن الفصاحة، وضعفه عن القياس الذى ركبه. وذلك أن ياء المتكلم تكسر أبدا ما قبلها. ونظير كسرة الصحيح كون هذه الأسماء الستّة بالياء؛ نحو مررت بأخيك وفيك. فكان قياسه أن يقول (كأنّ فىّ) بالياء كما يقول (كأنّ غلامى). ومثله سواء ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: كسرت فىّ، ولم يقل (فاى) وقد قال الله سبحانه: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ}[القصص: ٢٥] ولم يقل: إن أباى. وكيف يجوز إن أباى، بالألف وأنت لا تقول: إن غلامى قائم، وإنما تقول: كأنّ غلامى بالكسر. فكذلك تقول (كأنّ فىّ) بالياء. وهذا واضح. ولكن هذا الإنسان حمل بضعف قياسه قوله (كأنّ فاى) على قوله: كأنّ فاه، وكأنّ فاك، وأنسى ما توجبه ياء المتكلم: من كسر ما قبلها وجعله ياء.
  فإن قلت: فكان يجب على هذا أن تقول: هذان غلامىّ، فتبدل ألف التثنية ياء؛ لأنك تقول هذا غلامى فتكسر الميم، قيل هذا قياس لعمرى؛ غير أنه عارضه قياس أقوى منه، فترك إليه. وذلك أن التثنية ضرب من الكلام قائم برأسه، مخالف للواحد والجميع(٢)؛ ألا تراك تقول: هذا، وهؤلاء، فتبنى فيهما، فإذا صرت إلى التثنية جاء مجئ المعرب فقلت: هذان، وهذين. وكذلك الذى والذين، فإذا صرت إلى التثنية قلت اللذان، واللذين. وهذا واضح.
  وعلى أن هذا الرجل الذى أومأت إليه من أمثل من رأيناه ممن جاءنا مجيئه، وتحلّى عندنا حليته. فأمّا ما تحت ذلك من مرذول أقوال هذه الطوائف فأصغر حجما، وأنزل قدرا أن يحكى فى جملة ما ينثى(٣).
  ومع هذا فإذا كانوا قد رووا أن النبى ÷ سمع رجلا يلحن فى كلامه فقال:
(١) فى نسخة: أصليتين.
(٢) فى نسخة: الجمع.
(٣) فى بعض النسخ: «ينشى». ونثا الحديث والخبر نثوا: حدث به وأشاعه وأظهره. اللسان (نثا).