الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى (المثلين): كيف حالهما فى الأصلية والزيادة

صفحة 439 - الجزء 1

  فالجواب أنّ هذه الأحرف الزوائد فى فعوعل، وفعيعل، [وفعنلل] وبقيّة الباب أشبه بالعين الأولى منها بالعين الآخرة، وذلك لسكونها، كما أن العينين إذا التقتا فالأولى منهما ساكنة لا غير؛ نحو فعّل، وفعّل، وفعّيل وبقيّة الباب. ولا نعرف فى الكلام عينين التقتا والأولى منهما متحركة؛ ألا ترى أنك لا تجد فى الكلام نحو فععل، ولا فععل، ولا فععل ولا شيئا من هذا الضرب لم نذكره. فإذا كان كذلك علمت أن واو (فعوعل) لسكونها أشبه بعين (فعّل) الأولى لسكونها أيضا منها بعينها الثانية لحركتها، فاعرف ذلك فرقا ظاهرا.

  ومنها أن أهل الحجاز يقولون للصوّاغ: الصّيّاغ، فيما رويناه عن الفرّاء؛ وفى ذلك دلالة على ما نحن بسبيله. ووجه الاستدلال منه أنهم كرهوا التقاء الواوين - لا سيّما فيما كثر استعماله - فأبدلوا الأولى من العينين ياء - كما قالوا فى أمّا: (أيما) ونحو ذلك - فصار تقديره: الصّيواغ، فلما التقت الواو والياء على هذا أبدلوا الواو للياء قبلها، فقالوا (الصّيّاغ). فإبدالهم العين الأولى من الصوّاغ دليل على أنها هى الزائدة؛ لأن الإعلال بالزائد أولى منه بالأصل.

  فإن قلت: فقد قلبت العين الثانية أيضا فقلت (صيّاغ) فلسنا نراك إلا وقد أعللت العينين جميعا، فمن جعلك بأن تجعل الأولى هى الزائدة دون الآخرة، وقد انقلبتا جميعا؟

  قيل قلب الثانية لا يستنكر؛ لأنه كان عن وجوب (وذلك) لوقوع الياء ساكنة قبلها، فهذا غير بعيد ولا معتذر منه؛ لكن قلب الأولى - وليس هناك علّة تضطرّ إلى إبدالها أكثر من الاستخفاف مجرّدا - هو المعتدّ المستنكر المعوّل عليه المحتجّ به، فلذلك اعتمدناه، وأنشأنا الاحتجاج للخليل عنه؛ إذ كان تلعّبا بالحرف من غير قوّة سبب، ولا وجوب علّة. فأمّا ما يقوى سببه ويتمكّن حال الداعى إليه فلا عجب منه، ولا عصمة للحرف - وإن كان أصليّا - دونه. وإذا كان الحرف زائدا كان بالتلعّب به قمنا.

  واذكر قول الخليل وسيبويه فى باب مقول ومبيع، و [أن] الزائد عندهما هو المحذوف، أعنى واو مفعول؛ من حيث كان الزائد أولى بالإعلال من الأصل.

  فإن قلت: فما أنكرت أن يكونوا إنما أبدلوا العين الثانية فى صوّاغ دون