الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الحرفين المتقاربين

صفحة 453 - الجزء 1

  شربن بماء البحر ثم ترفّعت ... متى لجج خضر لهن نئيج⁣(⁣١)

  فهذا يدل على مخالطة السحائب عندهم البحر وتركّضها فيه، وتصرّفها على صفحة مائه. وعلى كل حال فقول أبى بكر أظهر.

  ومن ذلك قولهم: باهلة بن أعصر، ويعصر؛ فالياء فى (يعصر) بدل من الهمزة فى (أعصر) يشهد بذلك ما ورد به الخبر من أنه إنما سمّى بذلك لقوله:

  أبنىّ إن أباك غيّر لونه ... كرّ الليالى واختلاف الأعصر⁣(⁣٢)

  يريد جمع عصر. وهذا واضح.

  فأمّا قولهم: إناء قربان، وكربان إذا دنا أن يمتلئ فينبغى أن يكونا أصلين؛ لأنك تجد لكل واحدة منهما متصرّفا، أى قارب أن يمتلئ، وكرب أن يمتلئ، إلا أنهم قد قالوا: جمجمة قربى⁣(⁣٣)، ولم نسمعهم قالوا (كربى). فإن غلبت القاف على الكاف من هنا فقياس ما.

  وقال الأصمعى: يقال: جعشوش، وجعسوس⁣(⁣٤)، وكل ذلك إلى قمأة وقلّة وصغر، ويقال: هم من جعاسيس الناس، ولا يقال بالشين فى هذا. فضيق الشين مع سعة السين يؤذن بأنّ الشين بدل من السين. نعم، والاشتقاق يعضد كون


(١) البيت من الطويل، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى الأزهية ص ٢٠١، والأشباه والنظائر ٤/ ٢٨٧، وجواهر الأدب ص ٩٩، وخزانة الأدب ٧/ ٩٧ - ٩٩، والدرر ٤/ ١٧٩، وسرّ صناعة الإعراب ص ١٣٥، ٤٢٤، وشرح أشعار الهذليين ١/ ١٢٩، وشرح شواهد المغنى ص ٢١٨، ولسان العرب (شرب)، (مخر)، (متى)، والمحتسب ٢/ ١١٤، والمقاصد النحوية ٣/ ٢٤٩، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص ٥١٥، والأزهية ص ٢٨٤، وأوضح المسالك ٣/ ٦، والجنى الدانى ص ٤٣، ٥٠٥، وجواهر الأدب ص ٤٧، ٣٧٨، ورصف المبانى ص ١٥١، وشرح الأشمونى ص ٢٨٤، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٢، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٨، وشرح قطر الندى ص ٢٥٠، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٧٥، ومغنى اللبيب ص ١٠٥، وهمع الهوامع ٢/ ٣٤.

(٢) البيت من الكامل، وهو لباهلة بن أعصر فى لسان العرب (عصر)، وتاج العروس (عصر)، ولمنبه بن سعد بن قيس عيلان فى أساس البلاغة (عصر)، وبلا نسبة فى لسان العرب (يبر)، والمخصص ٦/ ٣٣.

(٣) جمجمة قربى: هى قدح من خشب يشرب فيه، وهى أيضا ضرب من المكاييل.

(٤) جعشوش وحعسوس: هو القصير اللئيم.