الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى إمساس الألفاظ أشباه المعانى

صفحة 511 - الجزء 1

  ومن ذلك قولهم: (الخذا) فى الأذن، (والخذأ: الاستخذاء) فجعلوا الواو فى خذواء - لأنها دون الهمزة صوتا - للمعنى الأضعف. وذلك أن استرخاء الأذن [ليس] من العيوب التى يسبّ بها، ولا يتناهى فى استقباحها. وأما الذلّ فهو من أقبح العيوب، وأذهبها فى المزراة والسبّ، فعبّروا عنه بالهمزة لقوّتها، وعن عيب الأذن المحتمل بالواو، لضعفها. فجعلوا أقوى الحرفين لأقوى العيبين، وأضعفهما لأضعفهما.

  ومن ذلك قولهم: قد جفا الشئ يجفو، وقالوا: جفأ الوادى بغثائه، ففيهما كليهما معنى الجفاء؛ لارتفاعهما؛ إلا أنهم استعملوا الهمزة فى الوادى لما هناك من حفزه، وقوّة دفعه.

  ومن ذلك قولهم: صعد وسعد. فجعلوا الصاد - لأنها أقوى - لما فيه أثر مشاهد يرى، وهو الصعود فى الجبل والحائط، ونحو ذلك. وجعلوا السين - لضعفها - لما لا يظهر ولا يشاهد حسّا، إلا أنه مع ذلك فيه صعود الجدّ، لا صعود الجسم؛ ألا تراهم يقولون: هو سعيد الجدّ، وهو عالى الجدّ، وقد ارتفع أمره، وعلا قدره. فجعلوا الصاد لقوتها، مع ما يشاهد من الأفعال المعالجة المتجشّمة، وجعلوا السين لضعفها، فيما تعرفه النفس وإن لم تره العين، والدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية.

  فإن قلت: فكان يجب على هذا أن يكون الخذا فى الأذن مهموزا، وفى الذلّ غير مهموز؛ لأن عيب الأذن مشاهد، وعيب النفس غير مشاهد، قيل: عيب الأذن وإن كان مشاهدا، فإنه لا علاج فيه على الأذن، وإنما هو خمول وذبول، ومشقّة الصاعد ظاهرة مباشرة معتدّة متجشّمة، فالأثر فيها أقوى، فكانت بالحرف الأقوى - وهو الصاد - أحرى.

  ومن ذلك أيضا سدّ وصدّ. فالسّدّ دون الصّدّ؛ لأن السدّ للباب يسدّ، والمنظرة ونحوها، والصّدّ جانب الجبل والوادى والشّعب، وهذا أقوى من السدّ، الذى قد يكون لثقب الكوز ورأس القارورة ونحو ذلك [فجعلوا الصاد لقوّتها، للأقوى، والسين لضعفها، للأضعف].

  ومن ذلك القسم والقصم. فالقصم أقوى فعلا من القسم؛ لأن القصم يكون