الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى نقض العادة

صفحة 18 - الجزء 2

باب فى نقض العادة

  المعتاد المألوف فى اللغة أنه إذا كان فعل غير متعدّ كان أفعل متعدّيا؛ لأن هذه الهمزة كثيرا ما تجيء للتعدية. وذلك نحو قام زيد، وأقمت زيدا، وقعد بكر، وأقعدت بكرا. فإن كان فعل متعدّيا إلى مفعول واحد فنقلته بالهمزة صار متعدّيا إلى اثنين؛ نحو طعم زيد خبزا، وأطعمته خبزا، وعطا بكر درهما، وأعطيته درهما.

  فأمّا كسى زيد ثوبا، وكسوته ثوبا، فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال؛ ألا تراه نقل من فعل إلى فعل. وإنما جاز نقله بفعل لمّا كان فعل وأفعل كثيرا ما يعتقبان على المعنى الواحد؛ نحو جدّ فى الأمر، وأجدّ، وصددته عن كذا، وأصددته، وقصر عن الشئ وأقصر، وسحته الله وأسحته، ونحو ذلك. فلما كانت فعل وأفعل على ما ذكرنا: من الاعتقاب والتعاوض، ونقل بأفعل، نقل أيضا فعل بفعل؛ نحو كسى وكسوته، وشترت عينه وشترها، وعارت وعرتها، ونحو ذلك.

  هذا هو الحديث: أن (تنقل بالهمز) فيحدث النقل تعدّيا لم يكن قبله.

  غير أن ضربا من اللغة جاءت فيه هذه القضيّة معكوسة مخالفة؛ فتجد فعل فيها متعدّيا، وأفعل غير متعدّ.

  وذلك قولهم: أجفل الظليم، وجفلته الريح، وأشنق البعير إذا رفع رأسه، وشنقته، وأنزف البئر إذا ذهب ماؤها، ونزفتها، وأقشع الغيم، وقشعته الريح، وأنسل ريش الطائر، ونسلته، وأمرت الناقة إذا درّ لبنها ومريتها⁣(⁣١).

  ونحو من ذلك ألوت الناقة بذنبها، ولوت ذنبها، وصرّ الفرس أذنه، وأصرّ⁣(⁣٢) بأذنه، وكبّه الله على وجهه، وأكبّ هو، وعلوت الوسادة، وأعليت عنها.


(١) أى مسحت ضرعها لتدرّ.

(٢) أى سوى أذنه ونصبها للاستماع، وذلك إذا جدّ فى السير.