الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى نقض العادة

صفحة 27 - الجزء 2

  وفخرته أفخره (ونحو ذلك؟).

  قيل: منع من ذلك أنّ فعلت لا يتعدّى إلى المفعول به أبدا، ويفعل قد يكون فى المتعدّى كما يكون فى غيره؛ ألا ترى إلى قولهم: سلبه يسلبه، وجلبه يجلبه، ونخله ينخله، فلم يمنع من المضارع ما منع من الماضى، فأخذوا منهما ما ساغ، واجتنبوا ما لم يسغ.

  فإن قلت: فقد قالوا: قاضانى فقضيته أقضيه، وساعانى فسعيته أسعيه؟ قيل: لم يكن من (يفعله) هاهنا بدّ، مخافة أن يأتى على يفعل فينقلب الياء واوا، وهذا مرفوض فى هذا النحو من الكلام.

  وكما لم يكن من هذا بدّ هاهنا لم يجئ أيضا مضارع فعل منه ممّا فاؤه واو بالضم بل جاء بالكسر، على الرسم وعادة العرب. فقالوا: واعدنى فوعدته أعده، وواجلنى فوجلته أجله، وواضأنى فوضأته، أضؤه. فهذا كوضعته - من هذا الباب - أضعه.

  ويدلّك على أن لهذا الباب أثرا فى تغييره باب فعل فى مضارعه قولهم: ساعانى فسعيته أسعيه، ولم يقولوا: أسعاه على قولهم: سعى يسعى لمّا كان مكانا قد رتّب وقرّر وزوى عن نظيره فى غير هذا الموضع.

  فإن قلت: فهلا غيّروا ما فاؤه واو؛ كما غيّروا ما لامه ياء فيما ذكرت، فقالوا: واعدنى فوعدته أوعده؛ لما دخله من المعنى المتجدّد؟.

  قيل: (فعل) مما فاؤه واو لا يأتى مضارعه أبدا بالضمّ، إنما هو بالكسر، نحو وجد يجد، ووزن يزن، وبابه، وما لامه ياء فقد يكون على يفعل، كيرمى ويقضى، وعلى يفعل، كيرعى ويسعى. فأمر الفاء إذا كانت واوا فى فعل أغلظ حكما من أمر اللام إذا كانت ياء. فاعرف ذلك فرقا.

  * * *