باب فى تدافع الظاهر
  إلى لفظ أخيه البتة، فتدغمه فيه لا محالة.
  فهذا وجه التقريب مع إيثارهم الإبعاد.
  ومن تدافع الظاهر ما نعلمه من إيثارهم الياء على الواو. وذلك لويت ليّا، وطويت طيّا، وسيّد، وهيّن (وطىّ) وأغريت(١) ودانيت واستقصيت، ثم إنهم مع ذلك قالوا: الفتوى، والتقوى والثنوى، فأبدلوا الياء واوا عن غير قوّة علّة أكثر من الاستحسان والملاينة.
  والجواب عن هذا أيضا أنهم - مع ما أرادوه من الفرق بين الاسم والصفة على ما قدمناه - أنهم أرادوا أن يعوّضوا الواو من كثرة دخول الياء عليها.
  ومثله فى التعويض لا الفرق قولهم: تقىّ، وتقواء، ومضى على مضوائه(٢)، وهذا أمر ممضوّ عليه.
  ونحوه فى الإغراب قولهم: عوى الكلب عوّة، وقياسه عيّة. وقالوا فى العلم للفرق بينه وبين الجنس: حيوة، وأصله حيّة، فأبدلوا الياء واوا. وهذا - مع إيثارهم خصّ العلم بما ليس للجنس - إنما هو لما قدّمنا ذكره: من تعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها.
  فلا ترينّ من ذلك شيئا ساذجا عاريا من غرض وصنعة.
  ومن ذلك استثقالهم المثلين، حتى قلبوا أحدهما فى نحو أمليت - وأصلها أمللت - وفيما حكاه أحمد بن يحيى - أخبرنا به أبو علىّ عنه - من قولهم: لا وربيك لا أفعل، يريدون: لا وربّك لا أفعل. نعم، وقالوا فى أشدّ من ذا:
  ينشب فى المسعل واللهاء ... أنشب من مآشر حداء(٣)
(١) أصل المادة الغراء وهو يفيد اللصوق، فإذا قيل: أغرى بينهم العداوة أى ألصقها بهم.
(٢) المضواء: التقدّم.
(٣) الرجز لأبى مقدام الراجز فى سمط اللآلى ص ٨٧٤، وشرح الأشمونى ٣/ ٦٥٩، والمخصّص ١/ ١٥٧، ١١/ ١٣١، ١٥/ ١٥٢، وله أو لأعرابى فى البادية فى الدرر ٦/ ٢٢٢، والمقاصد النحوية ٤/ ٥٠٧، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢/ ٧٤٦، وشرح ابن عقيل ص ٦٢٨، ولسان العرب (حدد)، (شيش)، (لها)، وهمع الهوامع ٢/ ١٥٧، وتهذيب اللغة ٦/ ٤٣٠، وديوان الأدب ٣/ ٣٨١، وتاج العروس (شيش)، (لها).