الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الساكن والمتحرك

صفحة 111 - الجزء 2

  كان على فعل أو فعل، فخفّف أوائل هذه كما يخفّف ثوانى هذه، فصارت (وهو) كعضد (وصار وهو كعضد) كما صارت (أهى) كعلم، وصار (أهى) بمنزلة علم. وأمّا قراءة أهل الكوفة (ثم ليقطع) فقبيح عندنا؛ لأنّ (ثمّ) منفصلة يمكن الوقوف عليها، فلا تخلط بما بعدها، فتصير معه كالجزء الواحد. لكن قوله: (فلينظر) حسن جميل؛ لأن الفاء حرف واحد، فيلطف عن انفصاله وقيامه برأسه.

  وتقول على هذا: مررت برجل بطنه كحضجر⁣(⁣١)، تريد: كحضجر، ثم تسكّن الحاء الأولى؛ لأن (كحض) بوزن علم، فيجرى هذا الصدر مجرى كلمة ثلاثيّة.

  وأمّا أوّل الكلمة إذا لم يخلط بما قبله فمتحرك لا محالة على ما كان عليه قبل اتصاله به. وذلك قولك: أحمد ضرب، وأخوك دخل، وغلامك خرج، فهذا حكم الحرف المبتدأ.

  وأمّا المتحرّك غير المبتدأ فعلى ضربين: حشو وطرف. فالحشو كراء ضرب، وتاء قتل، وجيم رجل، وميم جمل، ولام علم. وأمّا الطرف فنحو ميم إبراهيم، ودال أحمد، وباء يضرب، وقاف يغرق.

  فإن قلت: قد قدّمت أن هذا ممّا تلزم حركته، وأنت تقول فى الوقف: إبراهيم، وأحمد، ويضرب، ويغرق، فلا تلزم الحركة، قيل: (اعتراض الوقف لا يحفل به، ولا يقع العمل عليه) وإنما المعتبر بحال الوصل؛ ألا تراك تقول فى بعض الوقف: هذا بكر، ومررت ببكر، فتنقل حركة الإعراب إلى حشو الكلمة، ولو لا أن هذا عارض جاء به الوقف لكنت ممن يدّعى أن حركة الإعراب تقع قبل الآخر؛ وهذا خطأ بإجماع.

  ولذلك أيضا كانت الهاء فى (قائمه) بدلا عندنا من التاء فى (قائمة) لمّا كانت إنما تكون هاء فى الوقف دون الوصل.

  فإن قلت: ولم جرت الأشياء فى الوصل على حقائقها دون الوقف؟

  (قيل: لأن) حال الوصل أعلى رتبة من حال الوقف. وذلك أن الكلام إنما وضع للفائدة، والفائدة لا تجنى من الكلمة الواحدة، وإنما تجنى من الجمل


(١) الحضجر: السقاء الضخم.