باب فى مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد
  ألفا، ولام الفعل؛ فحذفت العين لالتقائهما، فصار التقدير: قلت وبعت، ثم نقلت الضمّة والكسرة إلى الفاء؛ لأن أصلهما قبل القلب فعلت وفعلت، فصارا بعت وقلت. فهذا - لعمرى - مراجعة أصل، إلا أنه ذلك الأصل الأقرب لا الأبعد؛ ألا ترى أن أوّل أحوال هذه العين فى صيغة المثال إنما هو فتحة العين التى أبدلت منها الضمة والكسرة. وهذا واضح.
  ومن ذلك قولهم فى مطايا وعطايا: إنهما لمّا أصارتهما الصنعة إلى مطاءا، وعطاء أبدلوا الهمزة على أصل ما فى الواحد (من اللام) وهو الياء فى مطيّة وعطيّة؛ ولعمرى إن لاميها ياءان، إلا أنك تعلم أن أصل هاتين الياءين واوان؛ كأنهما (فى الأصل) مطيوة وعطيوة؛ لأنهما من مطوت، وعطوت؛ أفلا تراك لم ترجع أصل الياء فيهما، وإنما لاحظت ما معك فى مطيّة وعطيّة من الياء، دون أصلهما الذى هو الواو.
  أفلا ترى إلى هذه المعاملة، كيف هى مع الظاهر الأقرب إليك دون الأوّل الأبعد عنك. ففى هذا تقوية لإعمال الثانى من الفعلين؛ لأنه هو الأقرب إليك دون الأبعد عنك. فاعرف هذا.
  وليس كذلك صرف ما لا ينصرف، ولا إظهار التضعيف؛ لأن هذا هو الأصل الأوّل على الحقيقة، وليس وراءه أصل، هذا أدنى إليك منه كما كان فيما أريته قبل. فاعرف بهذا ونحوه حال ما يرد عليك ممّا هو مردود إلى أوّل وراءه ما هو أسبق رتبة منه، وبين ما يردّ إلى أول ليست وراءه (رتبة متقدمة) له.
  * * *