الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

فصل فى الحمل على المعنى

صفحة 194 - الجزء 2

  الرجلين دون اليدين وأن اليدين مواهقتان كما أنهما مواهقتان. فأضمر لليدين فعلا دلّ عليه الأوّل. فكأنه قال: تواهق يداها رجليها ثم حذف المفعول فى هذا؛ كما حذفه فى الأوّل فصار على ما ترى: تواهق رجلاها يداها. فعلى هذه الصنعة التى وصفت لك تقول: ضارب (زيد عمرو) على أن ترفع عمرا بفعل غير هذا الظاهر؛ ولا يجوز أن يرتفعا جميعا بهذا الظاهر. فأمّا قولهم: اختصم زيد وعمرو ففيه نظر. وهو أنّ عمرا مرفوع بفعل آخر غير هذا الظاهر، على حدّ قولنا فى المعطوف: إن العامل فيه غير العامل فى المعطوف عليه؛ فكأنه قال: اختصم زيد واختصم عمرو؛ وأنت مع هذا لو نطقت بهذا الذى تقدّره لم يصلح الكلام معه؛ لأن الاختصام لا يكون من أقلّ من اثنين. وعلّة جوازه أنه لمّا لم يظهر الفعل الثانى المقدّر إلى اللفظ لم يجب تقديره وإعماله؛ كأشياء تكون فى التقدير فتحسن (فإذا) أنت أبرزتها إلى اللفظ قبحت. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى.

  ومن ذلك قول الآخر:

  فكرّت تبتغيه فوافقته ... على دمه ومصرعه السباعا⁣(⁣١)

  وذلك أنه إذا وافقته والسباع معه فقد دخلت السباع فى الموافقة، فكأنه قال فيما بعد: وافقت السباع. وهو عندنا على حذف المضاف؛ أى وافقت آثار السباع.

  قال أبو علىّ: لأنها لو وافقت السباع هناك لأكلتها معه. ف (على) الآن هذه الظرف منصوبة⁣(⁣٢) بالفعل المحذوف الذى نصب السباع فى التقدير. ولو رفعت السباع لكانت (على) هذه مرفوعة الموضع؛ لكونها خبرا عن السباع مقدّما، وكانت تكون متعلّقة بالمحذوف؛ كقولنا فى قولهم: فى الدار زيد. (وعلى هذا) قال الآخر:

  تذكّرت أرضا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها⁣(⁣٣)


(١) البيت من الوافر، وهو للقطامى فى ديوانه ص ٤١، والأشباه والنظائر ٦/ ٣٤، وشرح أبيات سيبويه ١/ ١٧، ١٨، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٠، والكتاب ١/ ٢٨٤، والمحتسب ١/ ٢١٠، ونوادر أبى زيد ص ٢٠٤.

(٢) ظاهر أن هذا حكم مجرورها: يريد نصبه فى المعنى والمحل. وكذا رفعه فيما بعد (نجار).

(٣) البيت من السريع، وهو لعمرو بن قميئة فى خزانة الأدب ٤/ ٤٠٧، والكتاب ١/ ٢٨٥، وبلا نسبة فى شرح المفصل ١/ ١٢٦، والمحتسب ١/ ١١٦.