باب فى إيراد المعنى المراد، بغير اللفظ المعتاد
  فقلت: أنشدتنى: من بائس، فقال (يابس وبائس) واحد. وأخبرنا أبو بكر محمد ابن الحسن عن أبى العباس أحمد بن يحيى قال (أنشدنى ابن الأعرابى):
  وموضع زبن لا أريد مبيته ... كأنى به من شدّة الروع آنس(١)
  فقال له شيخ من أصحابه: ليس هكذا أنشدتنا، إنما أنشدتنا: وموضع ضيق.
  فقال: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا ولا تعلم أن الزبن والضيق واحد، وقد قال الله سبحانه وهو أكرم قيلا: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}[الإسراء: ١١٠] وقال رسول الله ÷: «نزل القرآن على سبع لغات كلها شاف كاف»(٢).
  وهذا ونحوه - عندنا - هو الذى أدى إلينا أشعارهم وحكاياتهم بألفاظ مختلفة، على معان متفقة. وكان أحدهم إذا أورد المعنى المقصود بغير لفظه المعهود، كأنه لم يأت إلا به، (ولا عدل) عنه إلى غيره؛ إذ الغرض فيهما واحد، وكل واحد منهما لصاحبه مرافد. وكان أبو علىّ | إذا عبر عن معنى بلفظ ما فلم يفهمه القارئ عليه، وأعاد ذلك المعنى عينه بلفظ غيره ففهمه، يقول: هذا إذا رأى ابنه فى قميص أحمر عرفه؛ فإن رآه فى قميص كحلىّ لم يعرفه.
  فأما الحكاية عن الحسن ¥ وقد سأله رجل عن مسئلة، ثم أعاد السؤال فقال له الحسن: لبّكت علىّ أى خلطت، فتأويله عندنا أنه أفسد المعنى الأوّل بشئ جاء به فى القول الثانى. فأمّا أن يكون الحسن تناكر الأمر لاختلاف اللفظين (مع اتفاق) المعنيين فمعاذ الله، و (حاشى أبا سعيد)(٣). ويشبه أن يكون الرجل لمّا أعاد سؤاله بلفظ ثان قدّر أنه بمعنى اللفظ الأوّل ولم يحسن ما فهمه الحسن ¥، كالذى يعترف عند القاضى بما يدّعى عليه، وعنده أنه مقيم
(١) البيت من الطويل، وهو للمرقش الأكبر فى ديوانه ص ٥٧٤، ولسان العرب (زبن)، وتاج العروس (زبن)، وشرح اختيارات المفضل ص ١٠٠١، وبلا نسبة فى لسان العرب (زبق). ويروى: (زبق) مكان (زبن).
(٢) أخرجه البخارى فى «فضائل القرآن» (٤٩٩٢)، وله غير موضع، ومسلم بلفظ «أنزل القرآن على سبعة أحرف».
(٣) أبو سعيد كنية الحسن البصرىّ.