باب فى ملاطفة الصنعة
  كالباب الأوّل. فصارت أوّل: حقوّ، ثم حقيو، (ثم حقى) ثم حقى. فهذا وجه.
  وإن شئت قلت: بدأت بدلوّ فأبدلت لامها لضعفها بالتطرف (وثقلها) ياء، فصارت دلوى وحقوى. ثم أبدلت الواو ياء لوقوع الياء بعدها، فصارت حقى (ثم أبدلت من الضمة فى العين كسرة لتصحّ الياء بعدها، فصارت: حقى) ثم أتبعت فقلت: حقى (ودلىّ).
  ومن ذلك قولهم: إن أصل قام قوم، فأبدلت الواو ألفا. وكذلك باع أصله بيع، ثم أبدلت الياء ألفا؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. وهو - لعمرى - كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدا من الحرفين إلا بعد أن أسكنته استثقالا لحركته، فصار إلى قوم وبيع، ثم انقلبا لتحرّكهما فى الأصل وانفتاح ما قبلهما الآن. ففارقا بذلك باب ثوب وشيخ؛ لأن هذين ساكنا العينين، ولم يسكنا عن حركة ولو رمت قلب الواو والياء من نحو قوم وبيع وهما متحركتان لاحتمتا بحركتيهما، فعزّتا فلم تنقلبا. فهذا واضح.
  ومن ذلك ستّ؛ أصلها سدس، فلمّا كثرت فى الكلام أبدلوا السين تاء؛ كقولهم: النات فى الناس ونحوه، فصارت سدت. (فلما تقارب الحرفان فى مخرجيهما أبدلت الدال تاء وأدغمت فى التاء فصارت ستّ). ولو بدأت هذا الإبدال عاريا من تلك الصنعة لكان استطالة على الحرفين، وهتكا للحرمتين.
  فاعرف بهذا النحو هذه الطريق، ولا تقدمنّ على أمر من التغيير إلا لعذر فيه وتأتّ له ما استطعت. فإن لم تجن على الأقوى كانت جنايتك على الأضعف؛ لتتطرق به إلى إعلال الأقوى أعذر وأولى. فأبه له وقس عليه.
  فأمّا قوله:
  *أو الفا مكّة من ورق الحمى(١) *
  فلم تكن الكسرة لتقلب الميم ياء؛ ألا تراك تقول: تظنّيت وتقصّيت والفتحة
(١) الرجز للعجاج فى ديوانه ٢/ ٤٥٣. (فيه «الحمى» مكان «الحمى»، وهى الرواية الصحيحة ورواية اللسان محرفة). ولسان العرب (ألف)، (منى)، (وفيه «الحما» مكان «الحمى»). ويروى: قواطنا بدلا من أو ألفا.