الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى غلبة الزائد للأصلى

صفحة 236 - الجزء 2

  وحذفت لسكونها وسكون الثانية بعدها. وكذلك حذفت لام الفعل لياءى الإضافة فى نحو مصطفىّ وقاضىّ ومرامىّ (فى مرامى). وكذلك باب يعد ويزن؛ حذفت فاؤه لحرف المضارعة الزائد (كل ذلك) لما كان الزائد ذا معنى. وهذا أحد ما يدلّ على شرف المعانى عندهم ورسوخها فى أنفسهم. نعم، وقد حذفوا الأصل عند الخليل للزائدة وإن كانا متساويى المعنيين. وإذا كان ذلك جائزا عندهم، ومسموعا فى لغتهم، فما ظنّك بالحرف الزائد إذا كان ذا معنى. وذلك قوله:

  بنى عقيل ماذه الخنافق! ... لمال هدى والنساء طالق

  (فالخنافق) جمع خنفقيق والنون زائدة، والقاف الأولى عند الخليل هى الزائدة، والثانية هى الأصل وهى المحذوفة - وقد قدّمنا دليل ذلك - والنون والقاف جميعا لمعنى واحد، وهو الإلحاق.

  (فإذا) كانوا قد حذفوا الأصل للزائد وهما فى طبقة واحدة - أعنى اجتماعهما على كونهما للإلحاق - فكيف - ليت شعرى - تكون الحال إذا كان الزائد لمعنى والأصلىّ المحذوف لغير معنى! وهذا واضح.

  وفى قولهم: خنافق تقوية لقول سيبويه فى تحقير مقعنسس وتكسيره (مقاعس ومقيعس) فاعرفه؛ فإنه قوىّ فى بابه.

  بل إذا كانوا قد حذفوا الملحق للملحق فحذف الملحق لذى المعنى - وهو الميم - أقوى وأحجى. وكأنهم إنما أسرعوا إلى حذف الأصلى للزائد؛ تنويها به، وإعلاء له، وتثبيتا لقدمه فى أنفسهم، وليعلموا بذلك قدره عندهم وحرمته فى تصوّرهم ولحاقه بأصول الكلم فى معتقدهم؛ ألا تراهم قد يقرّونه فى الاشتقاق مما هو فيه إقرارهم الأصول. وذلك قولهم: قرنيت السقاء إذا دبغته بالقرنوة، فاشتقّ الفعل منها وأقرت الواو الزائدة فيها، حتى أبدلت ياء فى قرنيت. ومثله قولهم: قلسيت الرجل؛ فالياء هنا بدل من واو قلنسوة الزائدة، ومن قال قلنسته فقد أثبت أيضا النون وهى زائدة. وكذلك قولهم: تعفرت الرجل إذا خبث، فاشتق من العفريت وفيه التاء زائدة.

  فنظير تقويتهم أمر الزائد وحذف الأصل له قول الشاعر: