الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية

صفحة 328 - الجزء 2

باب فى الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية

  «اعلم أن كل واحد من هذه الدلائل معتدّ مراعى مؤثر؛ إلا أنها فى القوّة والضعف على ثلاث مراتب:

  فأقواهنّ الدلالة اللفظية، ثم تليها الصناعية، ثم تليها المعنوية. ولنذكر من ذلك ما يصحّ به الغرض.

  فمنه جميع الأفعال. ففى كل واحد منها الأدلّة الثلاثة. ألا ترى إلى قام، و (دلالة لفظه على مصدره) ودلالة بنائه على زمانه، ودلالة معناه على فاعله.

  فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه. وإنما كانت الدلالة الصناعيّة أقوى من المعنويّة من قبل أنها وإن لم تكن لفظا فإنها صورة يحملها اللفظ، ويخرج عليها ويستقرّ على المثال المعتزم بها. فلمّا كانت كذلك لحقت بحكمه، وجرت مجرى اللفظ المنطوق به، فدخلا بذلك فى باب المعلوم بالمشاهدة». وأما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم الاستدلال، وليست فى حيّز الضروريات؛ ألا تراك حين تسمع ضرب قد عرفت حدثه، وزمانه، ثم تنظر فيما بعد، فتقول: هذا فعل، ولا بدّ له من فاعل، فليت شعرى من هو؟ وما هو؟ فتبحث حينئذ إلى أن تعلم الفاعل من هو وما حاله، من موضع آخر لا من مسموع ضرب؛ ألا ترى أنه يصلح أن يكون فاعله كلّ مذكّر يصحّ منه الفعل، مجملا غير مفصّل. فقولك: ضرب زيد، وضرب عمرو، وضرب جعفر، ونحو ذلك شرع سواء، وليس لضرب بأحد الفاعلين هؤلاء (ولا) غيرهم خصوص ليس له بصاحبه؛ كما يخصّ بالضرب دون غيره من الأحداث، وبالماضى دون غيره من الأبنية. ولو كنت إنما تستفيد. الفاعل (من لفظ) ضرب لا معناه للزمك إذا قلت: قام أن تختلف دلالتهما على الفاعل لاختلاف لفظيهما، كما اختلفت دلالتهما على الحدث لاختلاف لفظيهما، وليس الأمر فى هذا كذلك، بل دلالة ضرب على الفاعل كدلالة قام، وقعد، وأكل وشرب وانطلق، واستخرج عليه، لا فرق بين جميع ذلك.

  فقد علمت أن دلالة المثال على الفاعل من جهة معناه، لا من جهة لفظه؛ ألا