الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الاحتياط

صفحة 339 - الجزء 2

  * أتاك أتاك اللّاحقوك احبس احبس⁣(⁣١) *

  فاعرف ذلك فرقا بين توكيد المعنى الواحد، - نحو الأمر والنهى والإضافة - وتوكيد معنى الجملة، فى (امتناع اجتماع) حرفين لمعنى واحد، وجواز اجتماع حرفين لمعنى جملة الكلام فى لتقربنّ وإمّا ترينّ؛ ألا ترى أنك إذا قلت: هل تقومنّ ف (هل) وحدها للاستفهام؛ وأما النون فلتوكيد جملة الكلام. يدلّ على أنها لذلك لا لتوكيد معنى الاستفهام وحده وجودك إياها فى الأمر؛ نحو اضربنّ زيدا، وفى النهى فى لا تضربنّ زيدا، والخبر فى لتضربنّ زيدا، والنفى فى نحو قلّما تقومنّ، فشياعها فى جميع هذه المواضع أدلّ دليل على ما نعتقده: من كونها توكيدا لجملة القول، لا لمعنى مفرد منه مخصوص؛ لأنها لو كانت موضوعة له وحده لخصّت به، ولم تشع فى غيره كغيرها من الحروف.

  فإن قلت: يكون من الحروف ما يصلح من المعانى لأكثر من الواحد؛ نحو: من، فإنها تكون تبعيضا وابتداء، ولا، تكون نفيا ونهيا وتوكيدا، وإن، فإنها تكون شرطا ونفيا وتوكيدا.

  قيل: هذا إلزام يسقطه تأمّله. وذلك أن من ولا وإن ونحو ذلك لم يقتصر بها على معنى واحد؛ لأنها حروف وقعت مشتركة كما وقعت الأسماء مشتركة؛ نحو الصدى؛ فإنه ما يعارض الصوت، وهو بدن الميت، وهو طائر يخرج فيما يدّعون من رأس القتيل إذا لم يؤخذ بثأره. وهو أيضا الرجل الجيّد الرعية للمال فى قولهم: هو صدى مال، وخائل مال، وخال مال، وسر سور مال، وإزاء مال، و (نحو ذلك من) الشوى⁣(⁣٢) ونحوه مما اتفق لفظه واختلف معناه. وكما وقعت الأفعال مشتركة؛ نحو وجدت فى الحزن، ووجدت فى الغضب، ووجدت فى الغنى، ووجدت فى الضالّة، ووجدت بمعنى علمت، ونحو ذلك، فكذلك جاء نحو هذا فى الحروف. وليست كذلك النون؛ لأنها وضعت لتوكيد ما قد أخذ مأخذه، واستقرّ من الكلام بمعانيه المفادة من أسمائه وأفعاله وحروفه. فليست


(١) سبق.

(٢) الشوى: الهيّن من الأمر، والشوى: اليدان والرجلان وأطراف الأصابع وقحف الرأس. اللسان (شوا).