الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب القول على البناء

صفحة 92 - الجزء 1

  قد كنت تأمننى والجدب دونكم ... فكيف أنت إذا رقش الجراد نزا⁣(⁣١)

  ومثله أيضا ما رويناه عنه [عنه] أيضا، من قول الآخر:

  قوم إذا اخضرّت نعالهم ... يتناهقون تناهق الحمر⁣(⁣٢)

  قالوا فى تفسيره: إن النعال جمع نعل وهى الحرّة، أى إذا اخضرّت الأرض بطروا، وأشروا، فنزا بعضهم على بعض.

  وبنحو من هذا فسر أيضا قول النبىّ ÷: «إذا ابتلّت النعال فالصلاة فى الرحال»⁣(⁣٣) أى إذا ابتلت الحرار. ومن هذا اللفظ والمعنى ما حكاه أبو زيد من قولهم: «المعزى تبهى ولا تبنى». فـ «تبهى» تفعل من البهو، أى تتقافز على البيوت من الصوف، فتخرقها فتتسع الفواصل من الشعر، فيتباعد ما بينها، حتى يكون فى سعة البهو. «ولا تبنى»، أى لا ثلّة لها وهى الصوف، فهى لا يجزّ منها الصوف، ثم ينسجونه، ثم يبنون منه بيتا. هكذا فسّره أبو زيد.

  قال: ويقال أبنيت الرجل بيتا، إذا أعطيته ما يبنى منه بيتا.

  ومن هذا قولهم: قد بنى فلان بأهله⁣(⁣٤)؛ وذلك أن الرجل كان إذا أراد الدخول


(١) قوله: «نزا» كان ينبغى تأنيث الفعل فيقول: نزت، ولكنه نظر إلى المضاف إليه وهو الجراد، ونزو الجراد كناية عن الخصب وكثرة المزدرع. (نجار).

(٢) انظر المخصص ص ١٧٩ ج ١ وفيه بعد البيت: «واخضرار النعل من اخضرار الأرض». وفى هذا ميل إلى أن النعل: ما يلبس فى الرجل، والكلام كناية عن الخصب (نجار). قلت: فالنعل على هذا مجاز مرسل علاقته المحلية من حيث كون الأرض محلا للنعال.

(٣) ذكره الحافظ فى «التلخيص»، (٢/ ٣١)، وقال: «لم أره بهذا اللفظ ... وذكره ابن الأثير فى «النهاية» كذلك، وقال الشيخ تاج الدين الفزارى فى الإقليد: «لم أجده فى الأصول، وإنما ذكره «أهل العربية ...».

(٤) أى هو على المجاز كقولهم (اخضرت النّعال) والمقصود اخضرت الأرض الموطوءة بالنعال، فهو مجاز مرسل علاقته المحلية، وكذلك فى قولهم (بنى بأهله) والأصل بناء بيت أهله، ولكن لما كان الأهل هم حالّو البيت والمقيمون به علّق البناء بهم علاقة المجاز المحلية. واعلم أن ذلك كله من المجاز الذى تنوسى بشيوع استعماله حتى أشبه الحقيقة ولحق بها، وذلك لفقده شرط المجاز، وهو الغرابة والإثارة. فتأمل؛ إذ لا يستشعر القارئ غرابة ولا جمالا فنيا فى نحو ما ذكرنا آنفا. وهذا مما يخطئ فيه كثير من الدارسين الذين يطبقون قواعد البلاغة بلا نظر ولا تذوق.