[التحكيم]
  فقل لهم: فكيف تجوز شهادة الخوارج على عليٍّ وهم أعداؤه؟
  وإن كان لا تجوز شهادته عليهم ولا شهادتهم عليه دون ناظرٍ في أمره وأمرهم من غيره وغيرهم، وهو الناظر الذي افترض الله عليه الإصلاح بين الفئتين إذا اقتتلتا.
  فإن قالوا: لا يجوز دون ناظرٍ بينهما ليعرف الباغي من المبغي عليه.
  فقل لهم: أخبرونا عن هذا الناظر الذي ينظر بينكم؛ أليس طاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله؟
  فإن قالوا: بلى؛ وقد نظرنا نحن فلم يخف علينا ولا على أحد من الأُمَّة أن معاوية وأصحابه هم الباغون على علي وأصحابه، فلم نجد إلا القتال لمعاوية ولأصحاب علي حتَّى يفيئُوا جميعاً إلى أمر الله.
  فقل لهم: ليس النظر إليكم، إنما النظر إلى غيركم فيكم وفي أصحاب معاوية؛ لأنكم فِئَتان اقتتلتم فأَمَرَ الله غيركم بالنظر فيما بينكم لأن يصلح بينكم أو يقاتل الفئة الباغية منكم؛ لأنه المأمور بالإصلاح بينكم، أو القتال لهم، أو لكم، فعليه الأمر والنهي لكم، وعليكم السمع والطاعة له، ليس لكم أن تنازعوه، ولا تُخَطِّئُوه في شيءٍ من أفعاله؛ لأنه هو المسئُول عمَّا أمر به يوم القيامة مطيعاً كان لله أو عاصياً، وأنتم المسئولون عن أمره ونهيه إيَّاكم، ناجين بطاعته، وهالكين بمعصيته؛ إذ كانت - زعمتم - طاعته طاعة الله ø، ومعصيته معصية الله.
  فإن قالوا: إن من كانت طاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله لم يقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، ولم يُحكَّم كافرين في دماء المسلمين، ونحن نرى علي بن أبي طالب قد حَكَّم كافرين في دين الله في سفك دماء المتهجدين في الأسحار، القائمين الليل، والصائمين النهار، لم يشهد عليهم أحد من الخلق أنهم سفكوا دماً، ولا استحلوا محرماً، ولم يجحدوا ربًّا، ولم يتركوا صلاةً ولا صياماً.