الجواب في إثبات الوصية من الله تبارك وتعالى وافتراضه إياها على الخلق
  ذلك أخص الخلق به، وأكثرهم عنده منزلة، يفضي إليه بسرِّه، ويشركه دون الخلق في جميع أمره؛ حتى إذا دنا حِمَامه، وانقضت أيامه، بعد كمال الدِّين، والنصيحة لربِّ العالمين، قصد بالوصية؛ فَصَّدَ دليله؛ ليوضِّح لأمَّته من بعده منهاج سبيله، أقام أخاه عَلَماً لأُمَّتِه، واستودعه ما استودعه الله من علمه وحكمته، متبعاً بذلك سنن النبيين الذين خلوا من قبله لقول الله تبارك وتعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ}[الأنعام: ٩٠]؛ فاقتدى بهدي إبراهيم ويعقوب وجميع النبيين في الوصية لقوله: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[البقرة: ١٣٢].
  وقال: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ}[النساء: ١٣١].
  وقال تبارك وتعالى فرضاً على عباده: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ١٨٠ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: ١٨٠ - ١٨١].
  وقال: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}[المائدة: ١٠٦].
  وقال ø في وصية المواريث: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}[النساء: ١١].
  وقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١٢].
  وقال فيما افترض على النساء: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١٢].
  فلما أنزل الله - تبارك وتعالى - الوصية في غير آيه، وافترضها على عباده، وأمرهم بها، كان رسول الله ÷ أحقّ الخلق وأولاهم بأن يأخذ بما افترض الله عليه، وأن يفضي بما قلده الله وأسند إليه، من يقوم مقامه فيهم(١)؛ وهو قول الله تبارك
(١) (ب، ج): من يقوم مقامه منهم.