[الكلام على زعم الخوارج أن رسول الله ÷ مضى وعنده علم ما تحتاج إليه الأمة]
  وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[النساء: ٥٩]؛ فأخبر تبارك وتعالى أنه لن يؤمن بالله واليوم الآخر من لم يرد ما لم يجد في كتاب الله إلى الله وإلى رسوله، ولم يتكلف ما لم يفترض عليه ولم يؤمر به.
  ثم قال تبارك وتعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣]؛ فأخبر تبارك وتعالى أن للأمر وليًّا يُسْتنبط [العلم](١) من عنده يدل عليه نبيه، فإن لم يكن ذلك فما معنى قوله تبارك وتعالى إذ يأمر برد الحكم إلى حاكم لا يوجد، وإلى ولي [أمر لا يُعْرف](٢) ولا يدل عليه رسوله، تعالى الله عمَّا يقولون علواً كبيراً، مع أنه تبارك وتعالى قد أمر بطاعة هذا الولي فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩]، فزعموا أنه لم يخبر بأسمائهم، ولم يدل عليهم رسوله.
  فإن قالوا: إنما أمر بطاعة قوم مخصوصين وهم أمراء السرايا، وهذا مثل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩]، ومثل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ}[النساء: ٥٩، الأنفال: ٢٠، محمَّد: ٣٣]، و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة: ٩٥]، هذا كله بمنزلة واحدة، فقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ}[النساء: ٥٩، الأنفال: ٢٠، محمَّد: ٣٣]، و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ}[الجمعة: ٩]، و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة: ٩٥] خاص غير عام، أمّا الجُمعة فسقطت صلاتها عمَّن لم تجب عليه، وحل الصيد لمن لم يُحَرَّم عليه في الحَرَم، وكذلك سقطت طاعة أمراء السرايا عمَّن لم يفرض عليه.
  فقل للخوارج ولمن قال بمقالتهم: إن كانت أمراء السرايا هم ولاة الأمر وقد سقطت طاعتهم حيث ماتوا فقد إذاً سقطت طاعة الرسول ÷ حيث مات،
(١) زيادة من نخ (ب).
(٢) من (ب، ج)، وفي (أ): وإلى ولي الأمر ولا يدل عليه رسوله.