[الكلام على زعم الخوارج أن رسول الله ÷ مضى وعنده علم ما تحتاج إليه الأمة]
  ومتى سقطت طاعة الرسول سقطت طاعة الله، ومتى سقطت طاعة الله سقط الاستعباد عن الخلق، ووقع التهارج بينهم، وسقط الأمر والنهي؛ لأن طاعة ولي الأمر مقرونة بطاعة الرسول، وطاعة الرسول مقرونة بطاعة الله.
  ووجه آخر: أجبهم على أن ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم هم أمراء السرايا، فإن كان كذلك فقد سقط الأمر والنهي، والطاعة لله ولرسوله، ولأمراء السرايا؛ إلا على أهل السرايا لأمرائهم فإن طاعتهم عليهم معقودة مفروضة، ولا خلاف بين الأُمَّة أن الأبتر بن الأبتر شانئ رسول الله ÷ عمرو بن العاص من أُمراءِ السرايا، وأن أبا بكر وعمر كانا جميعاً في سريته التي عقد له رسول الله عليها إلى ذات السلاسل يأمرهما فيأتمران، ويقصرهما فيقتصران، وما اختلفا فيه من شيءٍ فعليهما رده إلى وليِّ أمرهما، المفروض طاعته عليهما؛ لأنه يقول تبارك وتعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣] فذلك عليهما واجب لم يسقط عنهما ولم يَزل فلم يُوَلَّيا عليه إلا من بعد رسول الله ÷.
  فإن قالوا: إنما ولاَّه رسول الله عليهما لأنه أبصر بالحروب منهما لا أنه أفضل وأعلم منهما.
  فقل لهم: فكيف أمرهما الله - تبارك وتعالى - أن يردا ما اختلفا فيه إلى من هما أعلم وأفضل منه؟
  فإذا كانا أفضل وأعلم منه فماذا الذي يردان إليه غير العلم إلا الجهل لأن ضد العلم هو الجهل.
  وسَلهم عن الحرب التي زعموا أنه أبصر منهما: هي من دين الله أم من غير دين الله؟
  فإن قالوا: بلى؛ هي من دين الله.
  فقل لهم: نعم؛ فعمرو إِذاً أبصر وأعلم بدين الله منهما وأفضل، ولولا ذلك لما ولاَّه رسول الله ÷ عليهما؛ لأنه لا اختلاف بين الأُمَّة أن الأمير أفضل من المأمور.