الروضة الندية في حقيقة الزيدية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

المسلك الثاني: في بيان عقائد الزيدية

صفحة 45 - الجزء 1

  لَتَأْتُنَّنِي بِهِ}⁣[يوسف: ٦٦]، فهو نفي مقيد بالغاية، وكقوله تعالى {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}⁣[البقرة: ٩٥]، فهو نفي مقيد بالسببية.

  إذا عرفت هذا: فاعلم أن قوله تعالى {لَنْ تَرَانِي}⁣[الأعراف: ١٤٣]، منفي بنفي غير مقيد، فيكون نفياً مؤبداً، مستغرقاً لجميع الأوقات، وعموم الأشخاص والأحوال بدون تخصيص.

  ثالثاً: أن الله تعالى علق الرؤية بأمر مستحيل، وما علق بالمحال، فهو محال.

  بيان ذلك: أن موسى # لما سأل الرؤية، أجابه الله تعالى بالجواب القاطع، وهو قوله تعالى {لَنْ تَرَانِي}⁣[الأعراف: ١٤٣]، ثم أكد الله تعالى ذلك الجواب بتأكيد آخر، وهو أنه اشترط لرؤيته شرطاً مستحيلاً، هو تعالى يعلم أنه لن يقع، فقال تعالى {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}⁣[الأعراف: ١٤٣]، فلما ظهرت آيات الله وقدرته وقوته التي لا يقوم لها شيء، تَدَكْدَكَ الجبلُ وتفتت، وصار رماداً.

  والتجلي ليس المراد به أن الله ظهر للجبل، وإنما المراد فلما تجلت آيات قدرته للجبل جعله دكاً، على حذف المضاف، كما ذلك معروف عند من يعرف اللسان العربي الذي نزل به القرآن الكريم.

  رابعاً: أن الله تعالى أنزل بهم الصاعقة عقوبة لهم على سؤالهم الذي ما كان لهم أن يسألوه، وفيه دلالة على أن سؤالهم معصية وإلا لما استحقوا عليه العقاب، لأن الله تعالى لا يعاقب إلا على الإخلال بالواجب أو فعل القبيح.

  وقد نَدَّدَ الله سبحانه بهم في آيات كثيرة، وكرر توبيخهم على ذلك السؤال، فليس إلاَّ لأنهم سألوا ما لا يجوز على الله سبحانه وتعالى، وما هو مُنَافٍ للإلهية،