باب فى تجاذب المعانى والإعراب
باب فى تجاذب المعانى والإعراب
  هذا موضع كان أبو علىّ | يعتاده، ويلمّ كثيرا به، ويبعث على المراجعة له، وإلطاف النظر فيه. وذلك أنك تجد فى كثير من المنثور والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين: هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك منه. فمتى اعتورا كلاما ما أمسكت بعروة المعنى، وارتحت لتصحيح الإعراب.
  فمن ذلك قول الله تعالى: {إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ ٨ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ}[الطارق: ٨ - ٩]، فمعنى هذا: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر، فإن حملته فى الإعراب على هذا كان خطأ؛ لفصلك بين الظرف الذى هو (يوم تبلى)، وبين ما هو معلّق به من المصدر الذى هو الرجع، والظرف من صلته، والفصل بين الصلة والموصول الأجنبىّ أمر لا يجوز. فإذا كان المعنى مقتضيا له والإعراب مانعا منه، احتلت له، بأن تضمر ناصبا يتناول الظرف، ويكون المصدر الملفوظ به دالا على ذلك الفعل، حتى كأنه قال فيما بعد: يرجعه يوم تبلى السرائر. ودلّ (رجعه) على (يرجعه) دلالة المصدر على فعله.
  ونحوه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ}[غافر: ١٠] ف (إذ) هذه فى المعنى متعلّقة بنفس قوله: لمقت الله، أى يقال لهم: لمقت الله إياكم وقت دعائكم إلى الإيمان فكفركم، أكبر من مقتكم أنفسكم الآن؛ إلا أنك إن حملت الأمر على هذا كان فيه الفصل بين الصلة التى إذ، وبين الموصول الذى هو لمقت الله فإذا كان المعنى عليه ومنع جانب الإعراب منه أضمرت ناصبا يتناول الظرف ويدلّ المصدر عليه، حتى كأنه قال بأخرة: مقتكم إذ تدعون.
  وإذا كان هذا ونحوه قد جاء فى القرآن فما أكثره وأوسعه فى الشعر! فمن ذلك ما أنشده أبو الحسن من قوله: