الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى سقطات العلماء

صفحة 482 - الجزء 2

  قولهم: انداح بطنه أى اتّسع. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وذلك أن انداح: انفعل، وتركيبه من دوح، ومندوحة: مفعولة، وهى من تركيب (ن د ح) والنّدح: جانب الجبل وطرفه، وهو إلى السعة، وجمعه أنداح. أفلا ترى إلى هذين الأصلين: تباينا، وتباعدا، فكيف يجوز أن يشتقّ أحدهما من صاحبه على بعد بينهما، وتعادى وضعهما.

  وذهب ابن الأعرابىّ فى قولهم: يوم أرونان إلى أنه من الرّنّة. وذلك أنها تكون مع البلاء والشدّة. وقال أبو علىّ |: ليس هذا من غلط أهل الصناعة؛ لأنه ليس فى الكلام أفوعال، وأصحابنا يذهبون إلى أنه أفعلان، من الرونة، وهى الشدّة فى الأمر.

  وذهب أبو العباس أحمد بن يحيى فى قولهم: أسكفّة الباب إلى أنها من قولهم: استكفّ أى اجتمع. وهذا أمر ظاهر الشناعة. وذلك أن أسكفّة: أفعلّة، والسين فيها فاء، وتركيبه من (س ك ف؛ وأما استكفّ فسينه زائدة؛ لأنه استفعل، وتركيبه من) ك ف ف. فأين هذان الأصلان حتى يجمعا ويدانى من شملهما. ولو كانت أسكفّة من استكفّ لكانت أسفعلة، وهذا مثال لم يطرق فكرا، ولا شاعر - فيما علمناه - قلبا. وكذلك لو كانت مندوحة من انداح بطنه - كما ذهب إليه أبو عبيدة - لكانت منفعلة. وهذا أيضا فى البعد والفحش كأسفعلة.

  ومع هذا فقد وقع الإجماع على أن السين لا تزاد إلا فى استفعل، وما تصرّف منه. وأسكفة ليس من الفعل فى قبيل ولا دبير.

  وذهب أحمد أيضا فى تنّور إلى أنه تفعول من النار - ونعوذ بالله من عدم التوفيق. هذا على سداد هذا الرجل وتميّزه من أكثر أصحابه - ولو كان تفعولا من النار لوجب أن يقال فيه: تنوور؛ كما أنك لو بنيته من القول لكان: تقوولا، ومن العود: تعوودا. وهذا فى نهاية الوضوح. وإنما تنّور: فعّول من لفظ (ت ن ر).

  وهو أصل لم يستعمل إلا فى هذا الحرف، وبالزيادة كما ترى. ومثله مما لم يستعمل إلا بالزيادة كثير. منه حوشب وكوكب (وشعلّع) (وهزنبران) ودودرّى (ومنجنون) وهو واسع جدّا. ويجوز فى التنّور أن يكون فنعولا من (ت ن ر)؛ فقد حكى أبو زيد فى زرنوق: زرنوقا.