باب فى سقطات العلماء
  ويقال: إن التنّور لفظة اشترك فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم. فإن كان كذلك فهو طريف، إلا أنه على كل حال فعّول أو فعنول؛ لأنه جنس، ولو كان أعجميّا لا غير لجاز تمثيله (لكونه جنسا ولاحقا) بالعربىّ، فكيف وهو أيضا عربىّ؛ لكونه فى لغة العرب غير منقول إليها، وإنما هو وفاق وقع، ولو كان منقولا (إلى اللغة العربية من غيرها) لوجب أن يكون أيضا وفاقا بين جميع اللغات غيرها.
  ومعلوم سعة اللغات (غير العربية)، فإن جاز أن يكون مشتركا فى جميع ما عدا العربية، جاز أن يكون وفاقا وقع فيها. ويبعد فى نفسى أن يكون فى الأصل للغة واحدة، ثم نقل إلى جميع اللغات؛ لأنا لا نعرف له فى ذلك نظيرا. وقد يجوز أيضا أن يكون وفاقا وقع بين لغتين أو ثلاث أو نحو ذلك، ثمّ انتشر بالنقل فى جميعها. وما أقرب هذا فى نفسى! لأنا لا نعرف شيئا من الكلام وقع الاتفاق عليه فى كل لغة، وعند كل أمّة: هذا كله إن كان فى جميع اللغات هكذا. وإن لم يكن كذلك كان الخطب فيه أيسر.
  وروينا (هذه المواضع) عن أحمد بن يحيى.
  وروينا عنه أيضا أنه قال: التواطخ(١) من الطيخ، وهو الفساد. وهذا - على إفحاشه - مما يجمل الظن به؛ لأنه من الوضوح بحيث لا يذهب على أصغر صغير من أهل هذا العلم. وإذا كان كذلك وجب أن يحسّن الظنّ به، ويقال إنه (أراد به): كأنه مقلوب منه. هذا أوجه عندى من أن يحمل عليه هذا الفحش والتفاوت كله.
  ومن هذا ما يحكى عن خلف أنه قال: أخذت على المفضّل الضبىّ فى مجلس واحد ثلاث سقطات: أنشد لامرئ القيس:
  نمسّ بأعراف الجياد أكفّنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب(٢)
(١) يقال: تواطخ القوم الشئ: تداولوه بينهم. القاموس.
(٢) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٥١، ولسان العرب (ضهب)، (مثث)، ومقاييس اللغة ٣/ ٣٧٤، والتنبيه والإيضاح ٢/ ٣٢٥، وكتاب العين ٦/ ٢٢٥، ٨/ ٢١٧، وجمهرة اللغة ص ١٤٠، ٣٥٦، وتاج العروس (ضهب)، (مثث)، (مشش)، (عرف)، وبلا نسبة فى مجمل اللغة ٣/ ٢٩٢، ويروى: غث بدلا من غس. المضهب: الذى لم يكمل نضجه.