باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية؟
  منقطع الدال. وكذلك قالوا: «مدّ الحبل» «ومت إليه بقرابة» فجعلوا الدال - لأنها مجهورة - لما فيه علاج، وجعلوا التاء - لأنها مهموسة - لما لا علاج فيه، وقالوا: الخدأ - بالهمزة - فى ضعف النفس، والخذا - غير مهموز - فى استرخاء الأذن، [يقال]: أذن خذواء، وآذان خذو، ومعلوم أن الواو لا تبلغ قوة الهمزة. فجعلوا الواو - لضعفها - للعيب فى الأذن، والهمزة - لقوّتها - للعيب فى النفس؛ من حيث كان عيب النفس أفحش من عيب الأذن. وسنستقصى هذا الموضع - فإنه عظيم شريف - فى باب نفرده به.
  نعم؛ وقد يمكن أن تكون أسباب التسمية تخفى علينا لبعدها فى الزمان عنا؛ ألا ترى إلى قول سيبويه: «أو لعلّ الأوّل وصل إليه علم لم يصل إلى الآخر»؛ يعنى أن يكون الأوّل الحاضر شاهد الحال، فعرف السبب الذى له ومن أجله ما وقعت عليه التسمية؛ والآخر - لبعده عن الحال - لم يعرف السبب للتسمية؛ ألا ترى إلى قولهم للإنسان إذا رفع صوته؛ قد رفع عقيرته؛ فلو ذهبت تشتق هذا، بأن تجمع بين معنى الصوت، وبين معنى «ع ق ر» لبعد عنك وتعسّفت. وأصله أن رجلا قطعت إحدى رجليه، فرفعها ووضعها على الأخرى، ثم صرخ بأرفع صوته، فقال الناس: رفع عقيرته. وهذا مما ألزمه أبو بكر أبا إسحاق(١) فقبله منه، ولم يردده. والكلام هنا أطول من هذا، لكن هذا مقاده، فأعلق يدك بما ذكرناه: من أن سبب إهمال ما أهمل إنما هو لضرب من ضروب الاستخفاف؛ لكن كيف؟ ومن أين؟ فقد تراه على ما أوضحناه. فهذا الجواب عن إهمالهم ما أهملوه، من محتمل القسمة لوجوه التراكيب، فاعرفه، ولا تستطله؛ فإن هذا الكتاب ليس مبنيّا على حديث وجوه الإعراب؛ وإنما هو مقام القول على أوائل أصول هذا الكلام، وكيف بدئ وإلام نحى. وهو كتاب يتساهم ذوو النظر: من المتكلّمين، والفقهاء، والمتفلسفين، والنحاة، والكتّاب، والمتأدّبين التأمّل له، والبحث عن مستودعه، فقد وجب أن يخاطب كل إنسان منهم بما يعتاده، ويأنس به؛ ليكون له سهم منه، وحصّة فيه! وأما ما أورده السائل فى أوّل هذا السؤال، الذى نحن منه على سمت
(١) أبو بكر: هو ابن السراج، وأبو إسحاق: هو الزجاج، وكلاهما تلميذ المبرد. وكان الزجاج مسرفا فى الاشتقاق، وابن السراج مقتصدا فيه. (نجار).