الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية؟

صفحة 114 - الجزء 1

  الجواب، من علة امتناعهم من تحميل الأصل الذى استعملوا بعض مثله ورفضهم بعضا، نحو امتناعهم أن يأتوا فى الرباعى بمثال فعلل، وفعلل، وفعلل - فى غير قول أبى الحسن - فجوابه نحو من الذى قدّمناه: من تحاميهم فيه الاستثقال، وذلك أنهم كما حموا أنفسهم من استيعاب جميع ما تحتمله قسمة تراكيب الأصول، من حيث قدّمنا وأرينا، كذلك أيضا توقّفوا عن استيفاء جميع تراكيب الأصول؛ من حيث كان انتقالك فى الأصل الواحد رباعيّا كان، أو خماسيّا، من مثال إلى مثال، فى النقص والاختلال، كانتقالك فى المادة الواحدة من تركيب إلى تركيب، أعنى به حال التقديم والتأخير، لكن الثلاثيّ جاء فيه لخفّته جميع ما تحتمله القسمة، وهى الاثنا عشر مثالا، إلا مثالا واحدا فإنه رفض أيضا لما نحن عليه من حديث الاستثقال؛ وهو فعل؛ وذلك لخروجهم فيه من كسر إلى ضمّ.

  وكذلك ما امتنعوا من بنائه فى الرباعى - وهو فعلل - هو لاستكراههم الخروج من كسر إلى ضمّ، وإن كان بينهما حاجز لأنه ساكن، فضعف لسكونه عن الاعتداد به حاجزا؛ على أن بعضهم حكى زئبر⁣(⁣١)، وضئبل⁣(⁣٢)، وخرفع⁣(⁣٣)، وحكيت عن بعض البصريين «إصبع» وهذه ألفاظ شاذّة، لا تعقد بابا، ولا يتخذ مثلها قياسا.

  وحكى بعض الكوفيين ما رأيته مذ ستّ؛ وهذا أسهل - وإن كان لا حاجز بين الكسر والضم - من حيث كانت الضمّة غير لازمة، لأن الوقف يستهلكها. ولأنها أيضا من الشذوذ بحيث لا يعقد عليها باب. فإن قلت: فما بالهم كثر عنهم باب فعل، نحو عنق، وطنب، وقلّ عنهم باب فعل، نحو إبل وإطل مع أن الضمة أثقل من الكسرة؟ فالجواب عنه من موضعين: أحدهما أن سيبويه قال: «واعلم أنه قد يقلّ الشئ فى كلامهم، وغيره أثقل منه، كل ذلك لئلا يكثر فى كلامهم ما يستثقلون» فهذا قول، والآخر أن الضمّة وإن كانت أثقل من الكسرة، فإنها أقوى منها؛ وقد يحتمل للقوّة ما لا يحتمل للضعف؛ ألا ترى إلى احتمال الهمزة مع ثقلها للحركات، وعجز الألف عن احتمالهن، وإن كانت خفيفة لضعفها، وقوة الهمزة. وإنما ضعفت الكسرة عن الضمة لقرب الياء من الألف، وبعد الواو عنها.


(١) الزئبر: ما يعلو الثوب الجديد.

(٢) الضئبل: الداهية.

(٣) خرفع: القطن.