باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية؟
  من رأيت المنون عرّين أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير(١)
  بإدغام نون «من» فى راء رأيت. ويكفى من هذا إجماع الجماعة على ادّغام (من رّاق) وغيره مما تلك سبيله. وعاصم فى هذا مناقض لمن قرأ: «فإذا هيتّلقّف» [الشعراء: ٤٥] بإدغام تاء تلقف. وهذا عندى يدل على شدة اتصال المبتدأ بخبره، حتى صارا معا هاهنا كالجزء الواحد، فجرى «هيتّ» فى اللفظ مجرى خدبّ، وهجفّ؛ ولو لا أن الأمر كذلك للزمك أن تقدّر الابتداء بالساكن، أعنى تاء المضارعة من «تتلقف». فاعرف ذلك. وأمّا المعتلان فإن كانا مدّين منفصلين فالبيان لا غير، نحو: فى يده، وذو وفرة، وإن كانا متصلين ادّغما نحو: مرضيّة، ومدعوّة؛ فإن كان الأوّل غير لازم فك فى المتصل أيضا، نحو قوله:
  * بان الخليط ولو طووعت ما بانا(٢) *
  وقول العجّاج:
  * وفاحم دووى حتى اعلنكسا(٣) *
  ألا ترى أن الأصل داويت، وطاوعت، فالحرف الأوّل إذا ليس لازما. فإن كانا بعد الفتحة ادّغما لا غير، متصلين ومنفصلين؛ وذلك نحو: قوّ، وجوّ، وحىّ، وعىّ، ومصطفو وافد، وغلامى ياسر؛ وهذا ظاهر.
  فهذا ونحوه طريق ما لا بدّ منه؛ [وما لا يجرى مجرى التحيّز إليه والتخيّر له].
  وما منه بدّ هو الأكثر وعليه اعتماد القول، وفيه يطول السؤال والخوض، وقد
(١) البيت من الخفيف، وهو لعدى بن زيد فى ديوانه ص ٨٧، وأمالى ابن الحاجب ٢/ ٦٥٤، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٠٦، ولسان العرب (منن)، وبلا نسبة فى شرح المفصل ٤/ ١٠. ويروى: خلّدن بدلا من عرّين. وعرين: أى تركن وأهملن.
(٢) هذا مطلع قصيدة لجرير. وبقية البيت:
* وقطعوا من حبال الوصل أقرانا*
(٣) صدر البيت من الرجز للعجاج فى ديوانه ١/ ١٨٩، ولسان العرب (علكس)، (دوا)، وتهذيب اللغة ٣/ ٣٠٢، وتاج العروس (علكس)، (دوى)، وديوان الأدب ٢/ ٤٩١، وكتاب العين ٢/ ٣٠٤. عجز البيت:
* وبشر مع البياض أملسا*