باب فى تقاود السماع وتقارع الانتزاع
  لم تل نفس الفعل.
  فهذا وجه الاستدلال بهذه المسألة ونحوها على شدّة اتصال الفعل بفاعله، وتصحيح القول بذلك.
  وأمّا وجه إفساده شيئا آخر فمن قبل أنّ فيه ردّا على من قال: إن المفعول إنما نصبه الفاعل(١) وحده، لا الفعل وحده، ولا الفعل والفاعل جميعا.
  وطريق الاستدلال بذلك أنا قد علمنا أنهم إنما يعنون بقولهم: الضمير المتصل: أنه متصل بالعامل فيه لا محالة؛ ألا تراهم يقولون: إن الهاء فى نحو مررت به، ونزلت عليه، ضمير متصل، أى متصل بما عمل فيه وهو الجارّ؛ وليس لك أن تقول: إنه متصل بالفعل؛ لأن الباء كأنها جزء من الفعل؛ من حيث كانت معاقبة لأحد أجزائه المصوغة فيه، وهى همزة أفعل؛ وذلك نحو أنزلته ونزلت به، وأدخلته ودخلت به، وأخرجته وخرجت به؛ لأمرين:
  أحدهما أنك إن اعتددت الباء لما ذكرت كأنها بعض الفعل، فإنّ هنا دليلا آخر يدل على أنها كبعض الاسم؛ ألا ترى أنك تحكم عليها وعلى ما جرّته بأنهما جميعا فى موضع نصب بالفعل، حتى إنك لتجيز(٢) العطف عليهما جميعا بالنصب؛ نحو قولك: مررت بك وزيدا، ونزلت عليه وجعفرا؛ فإذا كان هنا أمران أحدهما على حكم والآخر على ضدّه، وتعارضا هذا التعارض، ترافعا أحكامهما، وثبت أن الكاف فى نحو مررت بك متصلة بنفس الباء؛ لأنها هى العاملة فيها. وكذلك الهاء فى نحو إنه أخوك، وكأنه صاحبك، وكأنه جعفر: هى ضمير متصل، أى متصل بالعامل فيه، وهذا واضح.
(١) الذى قال: إن المفعول نصبه الفاعل وحده هو هشام بن معاوية الضرير أبو عبد الله النحوى الكوفىّ أحد أعيان أصحاب الكسائى، توفى سنة تسع ومائتين وانظر البغية ٢/ ٣٢٨، وذهب الكوفيون إلى أن العامل فى المفعول النصب الفعل والفاعل جميعا، وذهب البصريون إلى أن الفعل وحده عمل فى الفاعل والمفعول جميعا. وانظر الإنصاف ١/ ٧٨.
(٢) هذا رأى ابن جنى، والنحاة لا يجيزون ذلك، فإن من شروط العطف على المحل عندهم ظهور الإعراب المحلى فى الفصيح، نحو، ليس زيد بقائم ولا قاعدا، وانظر حاشية الدسوقى على المغنى ٢/ ١١٩ فى أقسام العطف.