الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تقاود السماع وتقارع الانتزاع

صفحة 144 - الجزء 1

  والآخر إطباق النحويين على أن يقولوا فى نحو هذا: إن الضمير قد خرج عن الفعل، وانفصل من الفعل؛ وهذا تصريح منهم بأنه متصل أى متصل بالباء العاملة فيه، فلو كانت التاء فى ضربتك هى العاملة فى الكاف، لفسد ذلك؛ من قبل أن أصل عمل النصب إنما هو للفعل، وغيره من النواصب مشبه فى ذلك بالفعل، والضمير بالإجماع أبعد شيء عن الفعل؛ من حيث كان الفعل موغلا فى التنكير، والاسم المضمر متناه فى التعريف. بل إذا لم يعمل الضمير فى الظرف ولا فى الحال - وهما مما تعمل فيه المعانى - كان الضمير من نصب المفعول به أبعد، وفى التقصير عن الوصول إليه أقعد. وأيضا فإنك تقول: زيد ضرب عمرا، والفاعل مضمر فى نفسك، لا موجود فى لفظك، فإذا لم يعمل المضمر ملفوظا به، كان ألا يعمل غير ملفوظ به أحرى وأجدر.

  وأمّا الاستدلال بنحو ضربتك على شيء غير الموضعين المتقدّمين، فأن يقول قائل: إنّ الكاف فى نحو ضربتك منصوبة بالفعل والفاعل جميعا، ويقول: إنه متصل بهما كاتصاله بالعامل فيه فى نحو إنك قائم ونظيره. وهذا أيضا وإن كان قد ذهب إليه هشام فإنه عندنا فاسد من أوجه:

  أحدها أنه قد صحّ ووضح أن الفعل والفاعل قد تنزّلا باثنى عشر دليلا منزلة الجزء الواحد، فالعمل إذا إنما هو للفعل وحده، واتصل به الفاعل فصار جزءا منه؛ كما صارت النون فى نحو لتضربنّ زيدا كالجزء منه، حتى خلط بها، وبنى معها.

  ومنها أن الفعل والفاعل إنما هو معنى، والمعانى لا تعمل فى المفعول به، إنما تعمل فى الظروف.

  ومن ذلك أن تستدلّ بقول ضيغم⁣(⁣١) الأسدىّ:

  إذا هو لم يخفنى فى ابن عمى ... - وإن لم ألقه - الرجل الظلوم⁣(⁣٢)

  على جواز ارتفاع الاسم بعد إذا الزمانية بالابتداء؛ ألا ترى أن «هو» من قوله


(١) فى اللسان (ضغم) «وضيغم: من شعرائهم: قال ابن جنّى: هو ضيغم الأسدىّ».

(٢) البيت من الوافر، وهو لضيغم الأسدى فى لسان العرب (ظلم). وتاج العروس (ظلم).