الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى مقاييس العربية

صفحة 149 - الجزء 1

باب فى مقاييس العربية

  وهى ضربان: أحدهما معنوىّ والآخر لفظىّ. وهذان الضربان وإن عمّا وفشوا فى هذه اللغة، فإن أقواهما وأوسعهما هو القياس المعنوىّ؛ ألا ترى أن الأسباب المانعة من الصرف تسعة: واحد منها لفظىّ وهو شبه الفعل لفظا، نحو أحمد، ويرمع⁣(⁣١) وتنضب، وإثمد، وأبلم، وبقّم⁣(⁣٢)، وإستبرق، والثمانية الباقية كلها معنويّة؛ كالتعريف، والوصف، والعدل، والتأنيث، وغير ذلك. فهذا دليل.

  ومثله اعتبارك باب الفاعل والمفعول به، بأن تقول: رفعت هذا لأنه فاعل، ونصبت هذا لأنه مفعول. فهذا اعتبار معنوىّ لا لفظىّ. ولأجله ما كانت العوامل اللفظية راجعة فى الحقيقة إلى أنها معنوية؛ ألا تراك إذا قلت: ضرب سعيد جعفرا، فإنّ (ضرب) لم تعمل فى الحقيقة شيئا؛ وهل تحصل من قولك ضرب إلا على اللفظ بالضاد والراء والباء على صورة فعل، فهذا هو الصوت، والصوت مما لا يجوز أن يكون منسوبا إليه الفعل.

  وإنما قال النحويّون: عامل لفظىّ، وعامل معنوىّ؛ ليروك أن بعض العمل يأتى مسبّبا عن لفظ يصحبه؛ كمررت بزيد، وليت عمرا قائم، وبعضه يأتى عاريا من مصاحبة لفظ يتعلق به؛ كرفع المبتدإ بالابتداء، ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم؛ هذا ظاهر الأمر، وعليه صفحة القول. فأما فى الحقيقة ومحصول الحديث، فالعمل من الرفع والنصب والجرّ والجزم إنما هو للمتكلّم نفسه، لا لشيء غيره.

  وإنما قالوا: لفظىّ ومعنوىّ لمّا ظهرت آثار فعل المتكلم بمضامّة اللفظ للفظ، أو باشتمال المعنى على اللفظ. وهذا واضح.

  واعلم أن القياس اللفظىّ إذا تأمّلته لم تجده عاريا من اشتمال المعنى عليه؛ ألا ترى أنك إذا سئلت عن «إن» من قوله:


(١) اليرمع: حجارة رخوة.

(٢) تنضب، وأبلم، وبقّم: من الأشجار.