باب فى تعارض السماع والقياس
  ما كثر استعماله، وهو اللغة الحجازية؛ ألا ترى أن القرآن بها نزل. وأيضا فمتى رابك فى الحجازيّة ريب من تقديم خبر، أو نقض النفى فزعت إذ ذاك إلى التميميّة؛ فكأنك من الحجازيّة على حرد(١)، وإن كثرت فى النظم والنثر.
  ويدلّك على أن الفصيح من العرب قد يتكلّم باللغة غيرها أقوى فى القياس عنده منها ما حدّثنا به أبو علىّ | قال: عن أبى بكر عن أبى العباس أن عمارة كان يقرأ {وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ}[يس: ٤٠] بالنصب؛ قال أبو العباس: فقلت له: ما أردت؟ فقال: أردت (سابق النهار) قال فقلت له فهلا قلته؟ فقال: لو قلته لكان أوزن. فقوله: أوزن أى أقوى وأمكن فى النفس. أفلا تراه كيف جنح إلى لغة وغيرها أقوى فى نفسه منها. ولهذا موضع نذكره فيه.
  واعلم أنك إذا أدّاك القياس إلى شيء ما، ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشئ آخر على قياس غيره، فدع ما كنت عليه، إلى ما هم عليه. فإن سمعت من آخر مثل ما أجزته فأنت فيه مخيّر: تستعمل أيّهما شئت. فإن صحّ عندك أن العرب لم تنطق بقياسك أنت كنت على ما أجمعوا عليه البتة، وأعددت ما كان قياسك أدّاك إليه لشاعر مولّد، أو لساجع، أو لضرورة؛ لأنه على قياس كلامهم. بذلك وصّى أبو الحسن.
  وإذا فشا الشئ فى الاستعمال وقوى فى القياس فذلك ما لا غاية وراءه؛ نحو منقاد اللغة من النصب بحروف النصب، والجرّ بحروف الجرّ، والجزم بحروف الجزم، وغير ذلك مما هو فاش فى الاستعمال، قوىّ فى القياس.
  وأمّا ضعف الشئ فى القياس، وقلّته فى الاستعمال فمرذول مطّرح؛ غير أنه قد يجيء منه الشئ إلا أنه قليل. وذلك نحو ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
  اضرب عنك الهموم طارقها ... ضربك بالسيف قونس الفرس(٢)
(١) الحرد: المنع، والغيظ والغضب.
(٢) البيت من المنسرح، وهو لطرفه بن العبد فى ملحق ديوانه ص ١٥٥، وخزانة الأدب ١١/ ٤٥٠، والدرر ٥/ ١٧٤، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٩٣٣، وشرح المفصّل ٦/ ١٠٧، ولسان العرب (قنس)، (نون)، والمقاصد النحوية ٤/ ٣٣٧، ونوادر أبى زيد ص ١٣، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢/ ٥٦٥، وجمهرة اللغة ص ٨٥٢، ١١٧٦، وسر صناعة الإعراب ١/ ٨٢، وشرح الأشمونى =