الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تعارض السماع والقياس

صفحة 163 - الجزء 1

  قالوا أراد: (اضربن عنك) فحذف نون التوكيد، وهذا من الشذوذ فى الاستعمال على ما تراه، ومن الضعف فى القياس على ما أذكره لك. وذلك أن الغرض فى التوكيد إنما هو التحقيق والتسديد، وهذا مما يليق به الإطناب والإسهاب، وينتفى عنه الإيجاز والاختصار. ففى حذف هذه النون نقض الغرض. فجرى وجوب استقباح هذا فى القياس مجرى امتناعهم من ادّغام الملحق؛ نحو مهدد، وقردد، وجلبب، وشملل، وسبهلل⁣(⁣١)، وقفعدد⁣(⁣٢)، فى تسليمه وترك التعرّض لما اجتمع فيه من توالى المثلين متحرّكين؛ ليبلغ المثال الغرض المطلوب فى حركاته وسكونه، ولو ادّغمت لنقضت الغرض الذى اعتزمت.

  ومثل امتناعهم من نقض الغرض امتناع أبى الحسن من توكيد الضمير المحذوف المنصوب فى نحو الذى ضربت زيد؛ ألا ترى أنه منع أن تقول: الذى ضربت نفسه زيد، على أن «نفسه» توكيد للهاء المحذوفة من الصلة.

  ومما ضعف فى القياس والاستعمال جميعا بيت الكتاب:

  له زجل كأنّه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير⁣(⁣٣)

  فقوله: «كأنه» - بحذف الواو وتبقية الضمّة - ضعيف فى القياس، قليل فى الاستعمال. ووجه ضعف قياسه أنه ليس على حدّ الوصل ولا على حدّ الوقف.

  وذلك أن الوصل يجب أن تتمكّن فيه واوه، كما تمكّنت فى قوله فى أوّل البيت


= ٢/ ٥٠٥، وشرح المفصل ٩/ ٤٤، ولسان العرب (هول)، والمحتسب ٢/ ٣٦٧، ومغنى اللبيب ص ٢/ ٦٤٣، والممتع فى التصريف ١/ ٣٢٣. ويروى: بالسوط بدلا من: بالسيف. قونس الفرس: ما بين أذنيه، وقيل مقدّم رأسه.

(١) السبهلل: الفارغ، يقال: جاء سبهللا أى لا شيء معه.

(٢) القفعدد: القصير.

(٣) البيت من الوافر، وهو للشماخ فى ديوانه ص ١٥٥، والدرر ١/ ١٨١، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٣٧، والكتاب ١/ ٣٠، ولسان العرب (ها)، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢/ ٥٦١، والأشباه والنظائر ٢/ ٣٧٩، وخزانة الأدب ٢/ ٣٨٨، ٥/ ٢٧٠، ٢٧١، ولسان العرب (زجل)، والمقتضب ١/ ٢٦٧، وهمع الهوامع ١/ ٥٩. والبيت يصف حمارا وحشيا. الوسيقة: الأتان يقول: إذا طلب وسيقته، وهى أنثاه، صوت بها فى تطريب وترجيع، كالحادى يتغنى بالإبل: أو كأن صوته صوت مزمار.