الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تعارض السماع والقياس

صفحة 166 - الجزء 1

  مستحدثة لم تكن فى الوقف، وإنما اضطرّ إليها الوصل.

  وأما من رواه «منون أنتم» فأمره مشكل. وذلك أنه شبّه من بأىّ، فقال:

  (منون أنتم) على قوله: أيّون أنتم، وكما حمل هاهنا أحدهما على الآخر كذلك جمع بينهما فى أن جرّد من الاستفهام كلّ منهما؛ ألا ترى إلى حكاية يونس عنهم: ضرب من منّا؛ كقولك: ضرب رجل رجلا، فنظير هذا فى التجريد له من معنى الاستفهام ما أنشدناه من قول الآخر:

  وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت ... إلىّ وأصحابى بأىّ وأينما⁣(⁣١)

  فجعل «أى: اسما للجهة فلما اجتمع فيها التعريف والتأنيث منعها الصرف.

  وأما قوله: «وأينما» ففيه نظر. وذلك أنه جرّده أيضا من الاستفهام كما جرّد أىّ، فإذا هو فعل ذلك احتمل هنا من بعد أمرين: أحدهما أن يكون جعل (أين) علما أيضا للبقعة، فمنعها الصرف للتعريف والتأنيث كأىّ، فتكون الفتحة فى آخر «أين» على هذا فتحة الجرّ وإعرابا، مثلها فى مررت بأحمد. فتكون (ما) على هذا زائدة، و (أين) وحدها هى الاسم كما كانت (أىّ) وحدها هى الاسم. والآخر أن يكون ركّب (أين) مع (ما) فلمّا فعل ذلك فتح الأوّل منهما كفتحة الياء من حيّهل، لمّا ضمّ حىّ إلى هل، فالفتحة فى النون على هذا حادثة للتركيب، وليست بالتى كانت فى أين وهى استفهام؛ لأن حركة التركيب خلفتها ونابت عنها. وإذا كانت فتحة التركيب تؤثّر فى حركة الإعراب فتزيلها إليها؛ نحو قولك: هذه خمسة، معرب، ثم تقول فى التركيب: هذه خمسة عشر، فتخلف فتحة التركيب ضمّة الإعراب، على قوة حركة الإعراب، كان إبدال حركة البناء من حركة البناء أحرى بالجواز، وأقرب فى القياس. وإن شئت قلت: إن فتحة النون فى قوله: (بأىّ وأينما)، هى الفتحة التى كانت فى أين، وهى استفهام من قبل تجريدها، أقرّها بحالها بعد التركيب على ما كانت عليه، ولم يحدث خالفا لها من فتحة


(١) البيت من الطويل، وهو لحميد بن ثور فى ديوانه ص ٧ (الحاشية)، ولسان العرب (أين)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢/ ٢٣٩، ولسان العرب (منن)، (أيا). أدلجوا: ساروا من آخر الليل. وانظر اللسان (دلج).