الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الاستحسان

صفحة 172 - الجزء 1

  وهو راجع إلى معنى بلو سفر، وقالوا: فلان مبلوّ بمحنة، وغير ذلك، والأمر فيه واضح؛ وناقة (عليان) من علوت أيضا كما قيل لها: ناقة سناد، أى أعلاها متساند إلى أسفلها، ومنه سندنا إلى الجبل أى علونا؛ وقال الأصمعى قيل لأعرابىّ: ما الناقة القرواح؟ فقال: التى كأنها تمشى على أرماح، ودبّة (مهيار)، من قولهم هار يهور، وتهور الليل؛ على أن أبا الحسن قد حكى فيه هار يهير، وجعل الياء فيه لغة؛ وعلى قياس قول الخليل فى طاح يطيح، وتاه يتيه، لا يكون فى يهير دليل؛ لأنه قد يمكن أن يكون: فعل يفعل، مثلهما. وكلّه لا يقاس؛ ألا تراك لا تقول فى جرو: جرى، ولا فى عدوة الوادى: عدية، ولا نحو ذلك. ولا يجوز فى قياس قول من قال عليان، ومهيار، أن تقول فى قرواح⁣(⁣١) ودرواس⁣(⁣٢): قرياح ودرياس⁣(⁣٣)، وذلك لئلا يلتبس مثال فعوال بفعيال، فيصير قرياح ودرياس كسرياح، وكرياس. وإنما يجوز هذا فيما كانت واوه أصليّة لا زائدة، وذلك أن الأصلىّ يحفظ نفسه بظهوره فى تصرّف أصله؛ ألا تراك إذا قلت: علية ثم قلت: علوت وعلوّ وعلوة وعلاوة ويعلو ونحو ذلك، دلّك وجود الواو فى تصرف هذا الأصل على أنها هى الأصلية وأن الياء فى علية بدل منها، وأنّ الكسرة هى التى عذرت بعض العذر فى قلبها؛ وليس كذلك الزائد؛ ألا تراه لا يستمرّ فى تصرف الأصل استمرار الأصلىّ، فإذا عرض له عارض من بدل أو حذف لم يبق هناك فى أكثر الأمر ما يدل عليه وما يشهد به؛ ألا تراك لو حقّرت قرياحا بعد أن أبدلت واوه ياء على حذف زوائده لقلت: قريح، فلم تجد للواو أثرا يدلّك على أن ياء قرياح بدل من الواو؛ كما دلّك علوت، وعلو، ورجل معلوّ بالحجّة، ونحو ذلك على أنّ ياء «علية» بدل من الواو.

  فإن قلت: فقد قالوا فى قرواح: قرياح أيضا، سمعا جميعا، فإن هذا ليس على إبدال الياء من الواو؛ لا، بل كلّ واحد منها مثال برأسه مقصود قصده. فقرواح


= (بلى). ويروى: وأبلاهما بدلا من: فأبلاهما. وصدر البيت:

* جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم*

(١) ناقة قرواح: طويلة القوائم.

(٢) والدّرواس: الغليظ العنق من الناس والكلاب، والدّرواس: العظيم الرأس. اللسان (درس).

(٣) الدّرباس: بالباء الكلب العقور. اللسان (درس).