باب فى تخصيص العلل
  أفلا ترى إلى احتياطك فى العلّة كيف أسقط عنك هذه الالتزامات كلّها، ولو لم تقدّم الأخذ بالحزم لاضطررت إلى تخصيص العلّة، وأن تقول: هذا من أمره ... ، وهذا من حاله ... ، والعذر فى كذا وكذا ... ، وفى كذا وكذا ... وأنت إذا قدّمت ذلك الاحتياط لم يتوجّه عليك سؤال؛ لأنه متى قال لك: فقد صحّت الياء والواو فى جيل، وحوبة، قلت: هذا سؤال يسقطه ما تقدّم؛ إذ كانت الحركة عارضة لا لازمة، ولو لم تحتط بما قدّمت لأجاءتك الحال إلى تمحل الاعتذار.
  وهذا عينه موجود فى العلل الكلاميّة؛ ألا ترى أنك تقول فى إفساد اجتماع الحركة والسكون على المحلّ الواحد: لو اجتمعا لوجب أن يكون المحلّ الواحد ساكنا متحرّكا فى حال واحدة، ولو لا قولك: فى حال واحدة لفسدت العلّة؛ ألا ترى أنّ المحلّ الواحد قد يكون ساكنا متحرّكا فى حالين اثنتين.
  فقد علمت بهذا وغيره مما هو جار مجراه قوّة الحاجة إلى الاحتياط فى تخصيص العلة.
  فإن قلت: فأنت إذا حصّل عليك هذا الموضع لم تلجأ فى قلب الواو والياء إذا تحرّكتا وانفتح ما قبلهما ألفين، إلا إلى الهرب من اجتماع الأشباه؛ وهى حرف العلّة والحركتان اللتان اكتنفتاه، وقد علم مضارعة الحركات لحروف اللين، وهذا أمر موجود فى قام، وخاف، وهاب، كوجوده فى حول، وعور، وصيد، وعين؛ ألا ترى أن أصل خاف وهاب: خوف وهيب، فهما فى الأصل كحول وصيد، وقد تجشّمت فى حول وصيد من الصحّة ما تحاميته فى خوف وهيب. فأمّا احتياطك بزعمك فى العلّة بقولك: إذا عرى الموضع من اللّبس، وقولك: إذا كان فى معنى ما لا بدّ من صحّته، وقولك: وكانت الحركة غير لازمة، فلم نرك أوردته إلا لتستثنى به ما يورده الخصم عليك: مما صحّ من الياء والواو وهو متحرّك وقبله فتحة. وكأنك إنما جئت إلى هذه الشواذّ التى تضطرّك إلى القول بتخصيص العلل فحشوت بها حديث علّتك لا غير؛ وإلا فالذى أوجب القلب فى خاف، وهاب، من استثقال حرفى اللين متحرّكين مفتوحا ما قبلهما موجود البتة فى حول وصيد، وإذا كان الأمر كذلك دلّ على انتقاض العلّة وفسادها.
  قيل: لعمرى إنّ صورة حول وصيد لفظا هى صورة خوف وهيب، إلا أنّ هناك