باب فى اللفظين على المعنى الواحد
  فإن قلت: فمن أين لنا فى علامات التأنيث ما يكون معنى لا لفظا؟ قيل: إذا قام الدليل لم يلزم النظير. وأيضا فإن التاء فى هذا وإن لم تكن للتأنيث فإنها بدل خصّ التأنيث، والبدل وإن كان كالأصل لأنه بدل منه فإن له أيضا شبها بالزائد من موضع آخر، وهو كونه غير أصل، كما أن الزائد غير أصل؛ ألا ترى إلى ما حكاه عن أبى الخطّاب من قول بعضهم فى راية: راءة بالهمز، كيف شبّه ألف راية - وإن كانت بدلا من العين - بالألف الزائدة، فهمز اللام بعدها، كما يهمزها بعد الزائدة فى نحو سقاء، وقضاء. وأمّا قول أبى عمر(١): إن التاء فى كلتى زائدة، وإنّ مثال الكلمة بها (فعتل) فمردود عند أصحابنا؛ لما قد ذكر فى معناه من قولهم: إن التاء لا تزاد حشوا إلا فى (افتعل) وما تصرّف منه، [و] لغير ذلك، غير أنى قد وجدت لهذا القول نحوا ونظيرا. وذلك فيما حكاه الأصمعىّ من قولهم للرجل القوّاد: الكلتبان، وقال مع ذلك: هو من الكلب، وهو القيادة. فقد ترى التاء على هذا زائدة حشوا، ووزنه فعتلان. ففى هذا شيئان: أحدهما التسديد من قول أبى عمر، والآخر إثبات مثال فائت للكتاب. وأمثل ما يصرف إليه ذلك أن يكون الكلب ثلاثيّا، والكلتبان رباعيّا؛ كزرم(٢) وازرأمّ، وضفد(٣)، واضفأدّ، وكزغّب الفرخ وازلغبّ، ونحو ذلك من الأصلين الثلاثيّ والرباعىّ، المتداخلين. وهذا غور عرض، فقلنا فيه ولنعد.
  ومن ذلك أن يرد اللفظان عن العالم متضادّين على غير هذا الوجه. وهو أن يحكم فى شيء بحكم ما، ثم يحكم فيه نفسه بضدّه، غير أنه لم يعلّل أحد القولين. فينبغى حينئذ أن ينظر إلى الأليق بالمذهب، والأجرى على قوانينه، فيجعل هو المراد المعتزم منهما، ويتأوّل الآخر إن أمكن.
  وذلك كقوله: حتّى الناصبة للفعل، وقد تكرر من قوله أنها حرف من حروف الجرّ، وهذا ناف لكونها ناصبة له، من حيث كانت عوامل الأسماء لا تباشر
(١) هو صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمىّ البصرىّ. قال الخطيب: كان فقيها عالما بالنحو واللغة أخذ النحو عن الأخفش ويونس، واللغة عن الأصمعى وأبى عبيدة، ومات سنة ٢٢٥، انظر البغية ٢/ ٨. وانظر اللسان (كلو).
(٢) زرم دمعه وبوله وكلامه وازرأمّ: انقطع.
(٣) ضفد الرجل واضفأدّ: صار كثير اللحم ثقيلا مع حمق. اللسان (ضفد).