الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ

صفحة 243 - الجزء 1

  يعتبر سيبويه. ويدلّ على صحّة ذلك أن مثال الفعللة لا زيادة فيه، فهو بفعلل أشبه من مثال الفعلال، والاعتبار بالأصول أشبه منه وأوكد منه بالفروع.

  فإن قلت: ففى الفعللة الهاء زائدة، قيل: الهاء فى غالب أمرها وأكثر أحوالها غير معتدّة، من حيث كانت فى تقدير المنفصلة.

  فإن قيل: فقد صحّ إذا أن فاعل، وأفعل، وفعّل - وإن كانت بوزن دحرج - غير ملحقة به، فلم لم تلحق به؟ قيل: العلّة فى ذلك أن كلّ واحد من هذه المثل جاء لمعنى. فأفعل للنقل وجعل الفاعل مفعولا؛ نحو دخل، وأدخلته، وخرج، وأخرجته. ويكون أيضا للبلوغ؛ نحو أحصد الزرع، وأركب المهر، وأقطف الزرع، ولغير ذلك من المعانى. وأمّا فاعل فلكونه من اثنين فصاعدا؛ نحو ضارب زيد عمرا، وشاتم جعفر بشرا. وأما فعّل فللتكثير؛ نحو غلّق الأبواب، وقطّع الحبال، وكسّر الجرار.

  فلمّا كانت هذه الزوائد فى هذه المثل إنما جيء بها للمعانى خشوا إن هم جعلوها ملحقة بذوات الأربعة أن يقدّر أن غرضهم فيها إنما هو إلحاق اللفظ باللفظ؛ نحو شملل، وجهور، وبيطر؛ فتنكّبوا إلحاقها بها؛ صونا للمعنى، وذبّا عنه أن يستهلك ويسقط حكمه، فأخلّوا بالإلحاق لمّا كان صناعة لفظيّة، ووقّروا المعنى ورجّبوه؛ لشرفه عندهم، وتقدّمه فى أنفسهم. فرأوا الإخلال باللفظ فى جنب الإخلال بالمعنى يسيرا سهلا، وحجما محتقرا، وهذا الشمس إنارة مع أدنى تأمّل.

  ومن ذلك أيضا أنهم لا يلحقون الكلمة من أوّلها إلا أن يكون مع الحرف الأوّل غيره؛ ألا ترى أن (مفعلا) لمّا كانت زيادته فى أوّله لم يكن ملحقا بها؛ نحو: مضرب، ومقتل. وكذلك (مفعل) نحو: مقطع، ومنسج، وإن كان مفعل بوزن جعفر، ومفعل بوزن هجرع⁣(⁣١). يدلّ على أنهما ليسا ملحقين بهما ما نشاهده من ادّغامهما، نحو مسدّ، ومردّ، ومتلّ⁣(⁣٢)، ومشلّ⁣(⁣٣). ولو كانا ملحقين لكانا


(١) الهجرع: الطويل الممشوق، الأحمق، الجبان. اللسان (هجرع).

(٢) المتلّ: الذى يتل به أى يصرع به، الشديد.

(٣) رجل مشلّ: خفيف سريع، وحمار مشلّ: كثير الطرد.