الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ

صفحة 242 - الجزء 1

  حروف، وموافقة بالحركة والسكون، فكانت هذه صناعة لفظيّة، ليس فيها أكثر من إلحاقها ببنائها، واتساع العرب بها فى محاوراتها، وطرق كلامها.

  والدليل على أن فعللت، وفعيلت، وفوعلت، وفعليت، ملحقة بباب دحرجت مجئ مصادرها على مثل مصادر باب دحرجت. وذلك قولهم: الشمللة، والبيطرة، والحوقلة، والدهورة، والسلقاة، والجعباة. فهذا [ونحوه] كالدحرجة، والهملجة، والقوقاة، والزوزاة. فلمّا جاءت مصادرها على مصادر الرباعيّة، والمصادر أصول للأفعال حكم بإلحاقها بها؛ ولذلك استمرّت فى تصريفها استمرار ذوات الأربعة. فقولك: بيطر يبيطر بيطرة، كدحرج يدحرج دحرجة، ومبيطر كمدحرج. وكذلك شملل يشملل شمللة، وهو مشملل. فظهور تضعيفه على هذا الوجه أوضح دليل على إرادة إلحاقه. ثم إنهم قالوا: قاتل يقاتل قتالا، ومقاتلة، وأكرم يكرم إكراما، وقطّع يقطع تقطيعا، فجاءوا بأفعل، وفاعل، وفعّل، غير ملحقة بدحرج، وإن كانت على سمته وبوزنه؛ كما كانت فعلل، وفيعل، وفوعل، وفعول، وفعلى، على سمته ووزنه ملحقة. والدليل على أن فاعل وأفعل وفعّل غير ملحقة بدحرج وبابه امتناع مصادرها أن تأتى على مثال الفعللة؛ ألا تراهم لا يقولون: ضارب ضاربة، ولا أكرم أكرمة، ولا قطّع قطّعة؛ فلمّا امتنع فيها هذا - وهو العبرة فى صحّة الإلحاق - علم أنها ليست ملحقة بباب دحرج.

  فإذا قيل: فقد تجيء مصادرها من غير هذا الوجه على مثال مصادر ذوات الأربعة؛ ألا تراهم يقولون: قاتل قيتالا، وأكرم إكراما، {وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً}⁣[النبأ: ٢٨] فهذا بوزن الدحراج، والسرهاف، والزلزال، والقلقال؛ قال:

  * سرهفته ما شئت من سرهاف⁣(⁣١) *

  قيل: الاعتبار بالإلحاق بها ليس إلا من جهة الفعللة، دون الفعلال، وبه كان


(١) الرجز للعجاج فى ديوانه ١/ ١٦٩، والأشباه والنظائر ١/ ٢٨٩، وسمط اللآلى ص ٧٨٨، وشرح المفصل ٦/ ٥٠، ولرؤبة فى خزانة الأدب ٢/ ٤٥، ٤٧، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٩٥٧، وليس فى ديوانه، وتاج العروس (سرهف)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ١١٥١، والخصائص ١/ ٢٢٢، ٢/ ٣٠٢، والمنصف ١/ ٤١، ٣/ ٤. وسرهفته: أحسنت غذاءه.