الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ

صفحة 251 - الجزء 1

  كثرت حروف المدّ قبل حرف الروىّ - كالتأسيس والرّدف - ليكون ذلك مؤذنا بالوقوف، ومؤدّيا إلى الراحة والسكون. وكلّما جاور حرف المدّ الروىّ كان آنس به، وأشدّ إنعاما لمستمعه. نعم وقد نجد حرف اللين فى القافية عوضا عن حرف متحرّك، أوزنة حرف متحرّك حذف من آخر البيت فى أتمّ أبيات ذلك البحر؛ كثالث الطويل، وثانى البسيط والكامل. فلذلك كان موضع حرف اللين إنما هو لما جاور الطرف. فأمّا ألف فاعل وفاعال وفاعول ونحو ذلك فإنها وإن كانت راسخة فى اللّين، وعريقة فى المدّ، فليس ذلك لاعتزامهم المدّ بها، بل المدّ فيها - أين وقعت - شيء يرجع إليها فى ذوقها، وحسن النطق بها؛ ألا تراها دخولها فى (فاعل) لتجعل الفعل من اثنين فصاعدا؛ نحو ضارب وشاتم؛ فهذا معنى غير معنى المدّ، وحديث غير حديثه. وقد ذكرت هذا الموضع فى كتابى فى شرح تصريف أبى عثمان وغيره من كتبى، وما خرج من كلامى.

  فإن قلت: فإذا كان الأمر كذا فهلا زيدت المدّات فى أواخر الكلم للمدّ، فإن ذلك أنأى لهنّ، وأشدّ تماديا بهنّ؟ قيل: يفسد ذاك من حيث كان مؤدّيا إلى نقض الغرض، وذلك أنهنّ لو تطرفن لتسلّط الحذف عليهنّ، فكان يكون ما أرادوه من زيادة الصوت بهنّ داعيا إلى استهلاكه بحذفهنّ؛ ألا ترى أن ما جاء فى آخره الياء والواو قد حفظن عليه، وارتبطن له بما زيد عليهن من التاء من بعدهن؛ وذلك كعفرية، وحدرية⁣(⁣١)، وعفارية، وقراسية⁣(⁣٢)، وعلانية، ورفاهية، وبلهنية⁣(⁣٣)، وسحفنية⁣(⁣٤)؛ وكذلك عرقوة، وترقوة، وقلنسوة، وقمحدوة⁣(⁣٥). فأما رباع وثمان وشناح⁣(⁣٦) فإنما احتمل ذلك فيه للفرق بين المذكّر والمؤنّث فى رباعية وثمانية وشناحية. وأيضا فلو زادوا الواو طرفا لوجب قلبها ياء؛ ألا تراها لمّا حذفت التاء عنها فى الجمع قلبوها ياء؛ قال:


(١) الحذرية: الأرض الخشنة، والجمع الحذارى. اللسان (حذر).

(٢) القراسية: الضخم الشديد من الإبل وغيرها، اللسان (قرس).

(٣) البلهنية: سعة العيش. اللسان (بلهن).

(٤) رجل سحفنية: هو المحلوق الرأس. اللسان (سحف).

(٥) القمحدوة: الهنة الناشزة فوق القفا. اللسان (قمحد).

(٦) الشّناح من الإبل: الطويل الجسيم. والأنثى شناحية. اللسان (شنح).