الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى أن العرب قد أرادت من العلل والأغراض

صفحة 261 - الجزء 1

  * قلنا لها قفى لنا قالت قاف⁣(⁣١) *

  لو نقل إلينا هذا الشاعر شيئا آخر من جملة الحال فقال مع قوله «قالت قاف»: (وأمسكت بزمام بعيرها)، أو (عاجته علينا) لكان أبين لما كانوا عليه، وأدلّ على أنها أرادت: وقفت، أو توقّفت، دون أن يظنّ أنها أرادت: قفى لنا! أى يقول لى: قفى لنا! متعجّبة منه. وهو إذا شاهدها وقد وقفت علم أن قولها (قاف) إجابة له، لا ردّ لقوله وتعجّب منه فى قوله «قفى لنا».

  وبعد فالحمّالون والحمّاميّون، والساسة، والوقّادون، ومن يليهم ويعتدّ منهم، يستوضحون من مشاهدة الأحوال ما لا يحصّله أبو عمرو من شعر الفرزدق إذا أخبر به عنه، ولم يحضره ينشده. أولا تعلم أن الإنسان إذا عناه أمر فأراد أن يخاطب به صاحبه، وينعم تصويره له فى نفسه استعطفه ليقبل عليه؛ فيقول له: يا فلان، أين أنت، أرنى وجهك، أقبل علىّ أحدّثك، أما أنت حاضر يا هناه. فإذا أقبل عليه، وأصغى إليه، اندفع يحدّثه أو يأمره أو ينهاه، أو نحو ذلك. فلو كان استماع الأذن مغنيا عن مقابلة العين، مجزئا عنه لما تكلّف القائل، ولا كلّف صاحبه الإقبال عليه، والإصغاء إليه. وعلى ذلك قال:

  العين تبدى الذى فى نفس صاحبها ... من العداوة أو ودّ إذا كانا⁣(⁣٢)

  وقال الهذلىّ:

  رفونى وقالوا: يا خويلد لا ترع ... فقلت - وأنكرت الوجوه -: هم هم⁣(⁣٣)


(١) الرجز بلا نسبة فى اللسان (وقف) والتهذيب ١٥/ ٦٧٩، والتاج (سين). رفونى: سكّنونى. وقال ابن هانئ يريد رفئونى، فألقى الهمزة. ومعناه أنى فزعت فطار قلبى فضموا بعضى إلى بعض. وانظر اللسان (رفأ، رفو).

(٢) البيت فى بيان الجاحظ بتحقيق الأستاذ هارون ١/ ٧٩. وقبله:

والعين تنطق، والأفواه صامتة ... حتى ترى من ضمير القلب تبيانا (نجار).

(٣) البيت له فى خزانة الأدب ١/ ٤٤٠، ٤٤٢، ٥/ ٨٦، وشرح أشعار الهذليين ٣/ ٣٣٧، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٨٣، ولسان العرب (رفأ)، (روع)، (رفا)، (ها)، والمعانى الكبير ص ٩٠٢، وللهذلى دون تحديد فى إصلاح المنطق ص ١٥٣، وأمالى المرتضى ١/ ٣٥٠، وتذكرة النحاة ص ٥٧١، وبلا نسبة فى الاشتقاق ص ٤٨٨، وجمهرة اللغة ص ٧٨٨.