باب فى الحمل على الظاهر
  بجوّ من قسى ذفر الخزامى ... تداعى الجربياء به الحنينا(١)
  فإن كان كذلك وجب أن يحكم بكون همزة (قساء) أنها بدل من حرف العلّة الذى أبدلت منه ألف (قسى). وأن يكون ياء أولى من أن يكون واوا؛ لما ذكرناه فى كتابنا فى شرح المقصور والممدود ليعقوب بن السكّيت.
  فإن قلت: فلعلّ (قسى) هذا مبدل من (قساء) والهمزة فيه هى الأصل. قيل:
  هذا حمل على الشذوذ؛ لأن إبدال الهمز شاذّ، والأوّل أقوى؛ لأن إبدال حرف العلة همزة إذا وقع طرفا بعد ألف زائدة هو الباب.
  وذكر محمد(٢) بن الحسن (أروى) فى باب (أرو) فقلت لأبى على: من أين له أن اللام واو؟ وما يؤمنه أن تكون ياء، فتكون من باب التّقوى، والرعوى؟ فجنح إلى ما نحن عليه: من الأخذ بالظاهر، وهو القول.
  فاعرف بما ذكرته قوّة اعتقاد العرب فى الحمل على الظاهر، ما لم يمنع منه مانع. وأمّا حيوة، والحيوان فيمنع من حمله على الظاهر أنا لا نعرف فى الكلام ما عينه ياء ولامه واو، فلا بدّ أن تكون الواو بدلا من ياء، لضرب من الاتساع مع استثقال التضعيف فى الياء، ولمعنى العلميّة فى حيوة. وإذا كانوا قد كرهوا تضعيف الياء مع الفصل حتى دعاهم ذلك إلى التغيير فى حاحيت، وهاهيت، وعاعيت كان إبدال اللام فى الحيوان - ليختلف الحرفان - أولى وأحجى.
  فإن قلت: فهلا حملت الحيوان على ظاهره، وإن لم يكن له نظير، كما حملت سيدا على ظاهره، وإن لم تعرف تركيب (س ى د)؟ قيل: ما عينه ياء كثر، وما عينه ياء ولامه واو مفقود أصلا من الكلام. فلهذا أثبتنا سيدا، ونفينا (ظاهر أمر) الحيوان.
(١) البيت لابن أحمر فى ديوانه ص ١٥٩، ولسان العرب (قسأ)، (جرب)، (هجل)، وجمهرة اللغة ص ٢٦٦، ٢٨٩، والتاج (فقأ)، (جنن)، (قسا)، ويروى البيت:
بهجل من قسا ذفر الخزامى ... تهادى الجربياء به الحنينا
و «الهجل» المطمئن من الأرض ذفر الخزامى: ذكىّ ريح الخزامى، طيّبها. والخزامى: نبت. ويقال للشمال «الجربياء» وانظر الكامل ٢/ ٣٦٧.
(٢) هو ابن دريد. وانظر اللسان (روى).