الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى عكس التقدير

صفحة 286 - الجزء 1

  * يا بأبى أنت ويا فوق البئب!⁣(⁣١) *

  فالبئب الآن بمنزلة الضلع، والعنب، والقمع، [والقرب]. ومن ذلك قولهم: القرنوة للنبت، وقالوا: قرنيت السقاء، إذا دبغته بالقرنوة، فالياء فى قرنيت الآن للإلحاق، بمنزلة ياء سلقيت، وجعبيت، وإنما هى بدل من واو (قرنوة) التى هى لغير الإلحاق. وسألنى أبو علىّ | عن ألف (يا) من قوله - فيما أنشده أبو زيد -:

  فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعى المثوّب قال يالا⁣(⁣٢)

  فقال: أمنقلبة هى؟ قلت: لا؛ لأنها فى حرف أعنى (يا) فقال: بل هى منقلبة. فاستدللته على ذلك، فاعتصم بأنها قد خلطت باللام بعدها ووقف عليها، فصارت اللام كأنها جزء منها، فصارت (يال) بمنزلة قال، والألف فى موضع العين وهى مجهولة، فينبغى أن يحكم عليها بالانقلاب عن الواو. هذا جمل ما قاله؛ ولله هو وعليه رحمته، فما كان أقوى قياسه، وأشدّ بهذا العلم اللطيف الشريف أنسه. فكأنه إنما كان مخلوقا له. وكيف كان لا يكون كذلك، وقد أقام على هذه الطريقة مع جلّة أصحابها، وأعيان شيوخها، سبعين سنة، زائحة علله، ساقطة عنه كلفه، وجعله همّه وسدمه⁣(⁣٣)، لا يعتاقه عنه ولد، ولا يعارضه فيه متجر، ولا يسوم به مطلبا، ولا يخدم به رئيسا إلا بأخرة وقد حطّ من أثقاله، وألقى عصا ترحاله! ثم إنى - ولا أقول إلا حقّا - لأعجب من نفسى فى وقتى هذا، كيف تطوع لى بمسألة، أم كيف تطمح بى إلى انتزاع علّة! مع ما الحال عليه من علق


(١) البيت فى اللسان (أبى) أنشده الجاحظ مع أبيات فى كتاب البيان والتبيين لآدم مولى بلعنبر، يقول لابن له. وفيه «البيب» بدل «البئب» قال أبو علىّ: الباء مبدلة من همزة بدلا لازما؛ وبيبت الرجل إذا قلت له بأبى.

(٢) البيت لزهير بن مسعود الضبّى فى تخليص الشواهد ص ١٨٢، وخزانة الأدب ٢/ ٦، والدرر ٣/ ٤٦، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٥٩٥، والمقاصد النحوية ١/ ٥٢٠، ونوادر أبى زيد ص ٢٩، ٢٣٧، ٣٥٤، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٨٤٧، وشرح ابن عقيل ص ١٠٢، ولسان العرب (يا) ومغنى اللبيب ١/ ٢١٩، ٢/ ٤٤٥، وهمع الهوامع ١/ ١٨١.

(٣) السدم: الهمّ.