الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تلاقى اللغة

صفحة 325 - الجزء 1

  فينبغى - على هذا - أن يكون أسعد من سعدى كأسلم من بشرى. وذهب بعضهم إلى أنّ أسعد تذكير سعدى، ولو كان كذلك لكان حرى أن يجيء به سماع، ولم نسمعهم قطّ وصفوا بسعدى، وإنما هذا تلاق وقع بين هذين الحرفين المتّفقى اللفظ، كما يقع هذان المثالان فى المختلفيه (١)؛ نحو أسلم، وبشرى.

  وكذلك أيهم ويهماء ليسا كأدهم ودهماء؛ لأمرين: أحدهما أن الأيهم الجمل الهائج، (أو السيل) واليهماء الفلاة؛ فهما مختلفان. والآخر أنّ أيهم لو كان مذكّر يهماء لوجب أن يأتى فيهما (يهم) كدهم، ولم نسمع ذلك؛ فعلمت بذلك أن هذا تلاق بين اللغة، وأنّ أيهم لا مؤنّث له، ويهماء لا مذكّر لها.

  ومن التلاقى قولهم فى العلم: أسلم وسلمى. وليس هذا كالأكبر والكبرى؛ لأنه ليس وصفا. فتأمّل أمثاله فى اللغة. ومثله شتّان، وشتّى؛ إنما هما كسرعان وسكرى.

  وإنما وضعت من هذا الحديث رسما لتتنبّه على ما يجيء من مثله، فتعلم به أنه توارد وتلاق وقع فى أثناء هذه اللغة عن غير قصد له، ولا مراسلة بين بعضه وبعض.

  وليس من هذا الباب سعد وسعدة؛ من قبل أن هاتين صفتان مسوقتان على منهاج واستمرار. فسعد من سعدة؛ كجلد من جلدة، وندب⁣(⁣٢) من ندبة. ألا تراك تقول: هذا يوم سعد، وهذه ليلة سعدة؛ كما تقول: هذا شعر جعد، وهذه جمّة جعدة. فاعرف ذلك إلى ما يليه، وقسه بما قرّرته عليه، بإذن الله تعالى.

  * * *


(١) قول ابن جنى فى اللسان والتاج (سعد) بهذا اللفظ.

(٢) رجل ندب: خفيف فى الحاجة، سريع، ظريف، نجيب؛ وكذلك الفرس، والجمع ندوب وندباء. اللسان (ندب).