الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى هل يجوز لنا فى الشعر

صفحة 326 - الجزء 1

باب فى هل يجوز لنا فى الشعر

  من الضرورة ما جاز للعرب أو لا؟

  سألت أبا علىّ | عن هذا فقال: كما جاز أن نفيس منثورنا على منثورهم، فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم. فما أجازته الضرورة لهم أجازته لنا، وما حظرته عليهم حظرته علينا.

  وإذا كان كذلك فما كان من أحسن ضروراتهم، فليكن من أحسن ضروراتنا، وما كان من أقبحها عندهم فليكن من أقبحها عندنا. وما بين ذلك بين ذلك.

  فإن قيل: هلا لم يجز لنا متابعتهم على الضرورة، من حيث كان القوم لا يترسّلون فى عمل أشعارهم ترسّل المولّدين، ولا يتأنّون فيه، ولا يتلوّمون⁣(⁣١) على حوكه (وعمله)، وإنما كان أكثره ارتجالا، قصيدا كان، أو رجزا، أو رملا.

  فضرورتهم إذا أقوى من ضرورة المحدثين. فعلى هذا ينبغى أن يكون عذرهم فيه أوسع، وعذر المولّدين أضيق.

  قيل: يسقط هذا من أوجه: أحدها أنه ليس جميع الشعر القديم مرتجلا، بل قد كان يعرض لهم فيه من الصبر عليه، والملاطفة له، والتلوّم على رياضته، وإحكام صنعته نحو مما يعرض لكثير من المولّدين. ألا ترى إلى ما يروى عن زهير: من أنه عمل سبع قصائد فى سبع سنين، فكانت تسمّى حوليات زهير؛ لأنه كان يحوك القصيدة فى سنة. والحكاية فى ذلك عن ابن أبى حفصة أنه قال: كنت أعمل القصيدة فى أربعة أشهر، وأحكّكها فى أربعة أشهر، وأعرضها فى أربعة أشهر، ثم أخرج بها إلى الناس. فقيل له: فهذا هو الحولى المنقّح. وكذلك الحكائد عن ذى الرمّة: أنه قال: لمّا قال:

  * بيضاء فى نعج صفراء فى برج⁣(⁣٢) *


(١) تلوّم فى الأمر: تمكّث وانتظر. ولي فيه لومة، أى تلوّم. والتلوّم: الانتظار والتلبث. وانظر اللسان (لوم).

(٢) صدر بيت لذى الرمة فى ديوانه ص ٣٣، وجمهرة اللغة ص ١٣٣١، وجمهرة أشعار العرب =