باب فى هل يجوز لنا فى الشعر
  وإنما يبيت عليها لخلوّه بها، ومراجعته النظر فيها. وقال:
  أعددت للحرب التى أعنى بها ... قوافيا لم أعى باجتلابها
  حتى إذا أذللت من صعابها ... واستوسقت لى صحت فى أعقابها
  فهذا - كما ترى - مزاولة ومطالبة واغتصاب لها ومعاناة كلفة بها.
  ومن ذلك الحكاية عن الكميت وقد افتتح قصيدته التى أوّلها:
  * ألا حيّيت عنّا يا مدينا(١) *
  ثم أقام برهة لا يدرى بما ذا يعجّز(٢) على هذا الصدر، إلى أن دخل حمّاما وسمع إنسانا دخله، فسلّم على أخر فيه، فأنكر ذلك عليه، فانتصر بعض الحاضرين له فقال: وهل بأس بقول المسلّمين؛ فاهتبلها الكميت فقال:
  * وهل بأس بقول مسلّمينا(٣) *
  ومثل هذا فى أشعارهم الدّالة على الاهتمام بها، والتعب فى إحكامها كثير معروف. فهذا وجه.
  وثان: أن من المحدثين أيضا من يسرع العمل ولا يعتاقه بطء، ولا يستوقف فكره، ولا يتعتع خاطره. فمن ذلك ما حدّثنى به من شاهد المتنبى وقد حضر عند أبى على الأوارجىّ، وقد وصف له طردا(٤) كان فيه وأراده على وصفه، فأخذ الكاغد والدواة واستند إلى جانب المجلس - وأبو على يكتب كتابا - فسبقه المتنبى فى كتبه الكتاب فقطعه عليه ثم أنشده.
(١) صدر بيت للكميت فى ديوانه ٢/ ١١٤، ولسان العرب (عجز) والفاخر ص ٢، وخزانة الأدب ١/ ١٧٩، وعجزه:
* وهل بأس بقول مسلمينا*
(٢) عجّز الشاعر: جاء بعجز البيت. والقصة فى اللسان (عجز).
(٣) عجز بيت للكميت فى ديوانه ٢/ ١١٤، ولسان العرب (عجز) والفاخر ص ٢، وخزانة الأدب ١/ ١٧٩، وصدره:
* ألا حيّيت عنا يا مدينا*
(٤) الطرد: ممارسة الصيد، وفى الحديث: كنت أطارد حيّة، أى أخدعها لأصيدها؛ ومنه طراد الصيد. وانظر اللسان (طرد).